مذكوراً، كما قال تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً}[الإنسان: ١]؛ ثم يبقى في الأرض؛ ثم يُعدَم ويَفنى، فإذا هو خبر من الأخبار:
(كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامرُ - بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار) قال إبراهيم هذا الكلام؛ كأنه يقول له: هو الذي يوجِد، ويعدِم؛ ثم أتى بمثال - وهو الإحياء والإماتة التي لا يقدر عليها أحد؛ لكن هذا المعاند المكابر قال:{أنا أحيي وأميت}؛ قالها إما تلبيساً؛ وإما مكابرة؛ إما تلبيساً كما قاله أكثر المفسرين؛ وقالوا: إنه أتى باثنين، فقتل أحدهما، وأبقى الآخر، فقال:«أمتّ الأول، وأحييت الثاني»؛ هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين؛ وعلى هذا فيكون قوله:{أنا أحيي وأميت} تلبيساً؛ والحقيقة أنه ما أحيا، ولا أمات هنا؛ وإنما فعل ما يكون به الموت في دعوى الإماتة؛ واستبقى ما كان حياً في دعواه الإحياء؛ فلم يوجِد حياة من عنده؛ وقال بعضهم: بل قال ذلك مكابرة؛ يعني: هو يعلم أنه لا يحيي، ولا يميت؛ كأنه يقول لإبراهيم: إذا كان ربك يحيي ويميت فأنا أحيي، وأميت؛ ثم إن إبراهيم عليه السلام انتقل إلى أمر لا يمكن الجدال فيه، فقال:{إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب}.
قوله تعالى؛ {فبهت الذي كفر} أي تحير، واندهش، ولم يحرِ جواباً؛ فغلب إبراهيم الذي كفر؛ لأن وقوف الخصم في المناظرة عجز.