القسم الثالث: يرون أن فعل العبد باختياره؛ وله تعلق بمشيئة الله؛ فمتى فعل العبد الفعل علمنا أن الله تعالى قد شاءه، وقدره؛ وأنه لا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريد؛ بل كل ما وقع فهو مراد لله مخلوق له؛ ووجه كون فعل العبد مخلوقاً لله: أن الإنسان مخلوق لله؛ وفعله كائن بأمرين: بعزيمة صادقة؛ وقدرة؛ والله عزّ وجلّ هو الذي خلق العزيمة الصادقة، والقدرة؛ فالإنسان بصفاته، وأجزائه، وجميع ما فيه كله مخلوق لله عزّ وجلّ.
هذا القول الوسط هو الذي تجتمع فيه الأدلة جميعاً؛ لأن الذين قالوا:«إن الإنسان مجبر» أخذوا بدليل واحد، وأطلقوا من أيديهم الدليل الآخر؛ والذين قالوا:«إنه مستقل» أخذوا بدليل واحد، وأطلقوا الدليل الثاني من أيديهم؛ لكن أهل السنة، والجماعة ــ والحمد لله ــ أخذوا بأيديهم بالدليلين؛ وقالوا: الإنسان يفعل باختياره؛ ولكن تصرفه تحت مشيئة الله عزّ وجلّ؛ ولهذا إذا وقع الأمر بغير اختياره رُفع عنه حكمه: فالنائم لا حكم لفعله، ولا لقوله؛ والمكره على الشيء لا حكم لفعله، ولا لقوله؛ بل أبلغ من ذلك: الجاهل بالشيء لا حكم لفعله مع أنه قد قصد الفعل؛ لكنه لجهله يعفى عنه؛ كل ذلك يدل على أن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده.