للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {ينفق}؛ وسبق معنى الإيمان بالله، واليوم الآخر؛ وهذا الوصف ينطبق على المنافق؛ فالمنافق - والعياذ بالله - لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر؛ ولا ينفق إلا مراءاةً للناس؛ ومع ذلك لا ينفق إلا وهو كاره، كما قال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس} [النساء: ١٤٢]، وقال في سورة «التوبة»: {ولا ينفقون إلا وهم كارهون} [التوبة: ٥٤]؛ هؤلاء لا ينفقون إلا وهم كارهون؛ لأنهم لا يرجون من هذا الإنفاق ثواباً؛ إذ إنه لا إيمان عندهم، و {اليوم الآخر} هو يوم القيامة؛ وسمي «اليوم الآخر»؛ لأنه لا يوم بعده؛ كل يذهب إلى مستقره: أهل الجنة إلى مستقرهم؛ وأهل نار إلى مستقرهم؛ فهو يوم آخر لا يوم بعده؛ ولذلك فهو مؤبد: إما في جنة؛ وإما في نار.

قوله تعالى {كمثل صفوان} أي كشِبْه صفوان؛ وهو الحجر الأملس {عليه تراب}؛ والتراب معروف؛ {فأصابه وابل} أي مطر شديد الوقع سريع التتابع؛ فإذا أصاب المطر تراباً على صفوان فسوف يزول التراب؛ ولهذا يقول تعالى: {فتركه صلداً} أي ترك الوابلُ هذا الصفوانَ أملس ليس عليه تراب؛ وجه الشبه بين المرائي والصفوان الذي عليه تراب، أن من رأى المنافق في ظاهر حاله ظن أن عمله نافع له؛ وكذلك من رأى الصفوان الذي عليه تراب ظنه أرضاً خصبة طينية تنبت العشب؛ فإذا أصابها الوابل الذي ينبت العشب سحق التراب الذي عليه، فزال الأمل في نبات العشب عليه من الوابل؛ ولهذا قال تعالى: {لا يقدرون على شيء مما كسبوا}؛ وصح عود واو الجماعة في {يقدرون} على {الذي} في قوله تعالى: {كالذي ينفق ماله}؛ لأن {الذي} اسم موصول يفيد العموم؛ فهو بصيغته اللفظية مفرد، وبدلالته