بمعنى يعطي؛ وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ، والخبر؛ فالمفعول الأول هنا:{الحكمة}؛ والمفعول الثاني:{مَن} في قوله تعالى: {من يشاء}؛ والمعنى: أن الله يعطي الحكمة من يشاء؛ و {الحكمة} مِن أحكم بمعنى أتقن؛ وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها، وتستلزم علماً، ورشداً، فالجاهل لا تأتي منه الحكمة إلا مصادفة؛ والسفيه لا تأتي منه الحكمة إلا مصادفة.
قوله تعالى:{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}، أي من يعطه الله سبحانه وتعالى الحكمة فقد أعطاه خيراً كثيراً.
فإن قال قائل: ما وجه اختلاف التعبير بين قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}، وقوله تعالى:{ومن يؤت الحكمة}؟
فالجواب: - والله أعلم - أن الحكمة قد تكون غريزة؛ وقد تكون مكتسبة؛ بمعنى أن الإنسان قد يحصل له مع المران ومخالطة الناس من الحكمة وحسن التصرف ما لا يحصل له لو كان منعزلاً عن الناس؛ ولهذا أتى بالفعل المضارع المبني للمفعول ليعم كل طرق الحكمة التي تأتي - سواء أوتي الحكمة من قبل الله عز وجل، أو من قِبل الممارسة والتجارب؛ على أن ما يحصل من الحكمة بالممارسة والتجارب فهو من الله عز وجل؛ هو الذي قيض لك من يفتح لك أبواب الحكمة، وأبواب الخير.
قوله تعالى:{وما يذكر إلا أولو الألباب}، أي ما يتعظ بآيات الله إلا أصحاب العقول الذين يتصرفون تصرفاً رشيداً.