للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في زمانها، ومكانها، وأحوال أممها؛ فما أمر الله بشيء، فقال العقل الصريح: "ليته لم يأمر به"؛ وما نهى عن شيء، فقال: "ليته لم ينهَ عنه"؛ وأما الحكمة في قدره فما من شيء يقدره الله إلا وهو مشتمل على الحكمة إما عامة؛ وإما خاصة ..

واعلم أن الحكمة تكون في نفس الشيء: فوقوعه على الوجه الذي حكم الله تعالى به في غاية الحكمة؛ وتكون في الغاية المقصودة منه: فأحكام الله الكونية، والشرعية كلها لغايات محمودة قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة؛ والأمثلة على هذا كثيرة واضحة ..

ولـ {الحكيم} معنًى آخر؛ وهو ذو الحكم، والسلطان التام؛ فلا معقب لحكمه؛ وحكمه تعالى نوعان: شرعي، وقدري؛ فأما الشرعي فوحيه الذي جاءت به رسله؛ ومنه قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة: ٥٠]، وقوله تعالى في سورة الممتحنة: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} [الممتحنة: ١٠]؛ وأما حكمه القدري فهو ما قضى به قدراً على عباده من شدة، ورخاء، وحزن، وسرور، وغير ذلك؛ ومنه قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} (يوسف: ٨٠)

والفرق بين الحكم الشرعي، والكوني: أن الشرعي لا يلزم وقوعه ممن حُكِم عليه به؛ ولهذا يكون العصاة من بني آدم، وغيرهم المخالفون لحكم الله الشرعي؛ وأما الحكم القدري فلا معارض له، ولا يخرج أحد عنه؛ بل هو نافذ في عباده على كل حال ..