للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {آتيناهم} أي أعطيناهم؛ والمراد بـ {الكتاب} التوراة، والإنجيل؛ والذين أوتوهما اليهود، والنصارى؛ وإنما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، إلى آخر ما ذكر من أوصافه التي عرفوه بها كما يعرفون أبناءهم؛ وعبَّر بقوله تعالى: {يعرفونه} بالفعل المضارع؛ لأن معرفتهم به تتجدد كلما تأملوا آياته، وصفاته؛ وعبر بقوله تعالى: {يعرفونه}؛ لأن الغالب أن «العلم» يعبر به عن الأمور المعقولة التي تدرك بالحس الباطن، و «المعرفة» يعبر بها عن الأمور المحسوسة المدركة بالحس الظاهر؛ فأنا أقول لك: «أعرفت فلاناً»؛ ولا أقول لك: «أعلمت فلاناً»؛ لكن أقول: «أعرفت فلاناً فعلمت ما فعل»؛ فهنا جعلنا العلم في الفعل؛ و {أبناءهم} جمع ابن؛ وخصه دون البنت؛ لأن تعلق الإنسان بالذّكَر أقوى من تعلقه بالأنثى؛ فهو به أعرف.

قوله تعالى: {وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} يعني طائفة منهم تكتم الحق ــ أي يخفونه، فلا يبينونه؛ ولهذا ذكر الله في سورة آل عمران أن بعضهم يقول لبعض: كيف تبينون الهدى لمحمد، وأصحابه؟! إذا بينتموه يحاجوكم به عند الله أفلا تعقلون! فهم يتواصون بالكتمان ــ والعياذ بالله.

وقوله تعالى: {وهم يعلمون} في موضع نصب على الحال من فاعل يكتمون ــ وهو الواو؛ يعني: يكتمون والحال أنهم يعلمون أنه الحق؛ وهذا أبلغ في الذم، وأقبح في الفعل أن يكونوا كاتمين للحق وهم يعلمون.