قراءة:{الريح} بالإفراد؛ والمراد به الجنس؛ والتصريف يشمل تصريفها من حيث الاتجاه؛ تصريفها من حيث الشدة، وعدمها؛ تصريفها من حيث المنافع، وعدمها؛ فمن حيث الاتجاه جعلها الله سبحانه وتعالى متجهة جنوباً، وشمالاً، وغرباً، وشرقاً؛ وهذه هي أصول الجهات؛ وهناك جهات أخرى تكون بينها؛ وتسمى النكبة؛ لأنها ليست في الاستقامة في الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب؛ فهي نكباء - ناكبة عن الاتجاه الأصلي.
وفي تصريف هذه الرياح آيات: لو بقيت الريح في اتجاه واحد لأضرت بالعالم؛ لكنها تتقابل، فيكسر بعضها حدةَ بعض، ويذهب بعضها بما جاء به البعض الآخر من الأذى، والجراثيم، وغيرها؛ كذلك أيضاً في تصريفها آيات بالنسبة للسحاب فبعضها يجمع السحاب؛ وبعضها يفرقه؛ وبعضها يلقحه؛ وبعضه يدره، فيمطر، كما قال تعالى:{الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء}[الروم: ٤٨]، وقال تعالى:{وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}[الحجر: ٢٢]؛ قال المفسرون: تلقح في السحاب؛ وفي تصريف الرياح أيضاً آيات للسفن الشراعية؛ وفيه أيضاً آيات في إهلاك الناس، وإنجاء آخرين: أهلك الله به عاداً، وطرد به الأحزاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأنجى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الريح من شر الأحزاب؛ ومن تدبر هذا عرف ما فيها من قدرة الله، ورحمته، وعزته، وحكمته؛ لو أن جميع مكائن الدنيا كلها اجتمعت، وصارت على أقوى ما يكون من نَفْث هواء لا يمكن أن تحرك ساكناً إلا فيما حولها فقط؛ لكن أن تصل من أقصى