للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {فلا إثم عليه}: هذا جواب {مَن}؛ وقرن بالفاء؛ لأن الجملة اسمية؛ وإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب قرنها بالفاء؛ وقوله تعالى: {فلا إثم عليه} أي فلا عقوبة عليه، أو فلا جناح.

قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم}؛ هذا تعليل للحكم؛ فالحكم انتفاء الإثم؛ والعلة: {إن الله غفور رحيم}؛ {غفور} يحتمل أن تكون صيغة مبالغة - وقد ورد أن من صيغ المبالغة «فعول» - لكثرة مغفرته سبحانه وتعالى، وكثرة من يغفر لهم؛ فالكثرة هنا واقعة في الفعل، وفي المحل؛ في الفعل: كثرة غفرانه لذنوب عباده؛ وفي المحل: كثرة المغفور لهم؛ ويحتمل أن تكون صفة مشبهة؛ و «الغفور» مأخوذ من الغَفْر؛ وهو الستر مع الوقاية؛ وليس الستر فقط؛ ومنه سمي «المغفر» الذي يغطى به الرأس عند الحرب؛ لأنه يتضمن الستر، والوقاية؛ ويدل لذلك قوله تعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة، وحاسبه: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» (١).

وقوله تعالى: «الرحيم» صيغة مبالغة، أو صفة مشبهة من الرحمة؛ والرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية الفعلية؛ فهي باعتبار أصل ثبوتها لله صفة ذاتية؛ وباعتبار تجدد من يرحمه الله صفة فعلية؛ ولهذا علقها الله سبحانه وتعالى بالمشيئة في قوله تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} [العنكبوت: ٢١] فهي صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل؛ وأهل التأويل ــ والأصح أن نسميهم أهل التحريف ــ يقولون: إن الرحمة غير حقيقية؛ وأن المراد


(١) سبق تخريجه ١/ ٢٠٠.