للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعلها خبيثة بالموت بعد أن كانت طيبة حال الحياة قادر على أن يجعلها عند الضرورة إليها طيبة، مثل ما كانت الحمير طيبة تؤكل حال حلها، ثم أصبحت بعد تحريمها خبيثة لا تؤكل؛ فالله سبحانه وتعالى هو خالق الأشياء، وخالق صفاتها، ومغيرها كيف يشاء؛ فهو قادر على أن يجعلها إذا اضطر عبده إليها طيبة.

الحال الثانية: أنها ما زالت على كونها خبيثة؛ لكنه عند الضرورة إليها يباح هذا الخبيث للضرورة؛ وتكون الضرورة واقية من مضرتها؛ فتناولها للضرورة مباح؛ وضررها المتوقع تكون الضرورة واقية منه.

والحالان بينهما فرق؛ لأنه على الحال الأولى انقلبت من الرجس إلى الطهارة؛ وعلى الحال الثانية هي على رجسيتها لكن هناك ما يقي مضرتها - وهو الضرورة -؛ وهذه الحال أقرب؛ لأنه لو كان عند الضرورة يزول خبثها لكانت طيبة تحل للمضطر، وغيره؛ ويؤيده الحس: فإن النفس كلما كانت أشد طلباً للشيء كان هضمه سريعاً، بحيث لا يتضرر به الجسم؛ وانظر إلى نفسك إذا أكلت طعاماً على طعام يتأخر هضم الأول، والثاني - مع ما يحصل فيه من الضرر -؛ لكن إذا أكلت طعاماً وأنت جائع فإنه ينهضم بسرعة؛ ويشهد لهذا ما يروى عن صهيب الرومي أنه كان في عينيه رمد؛ فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر وهو حاضر؛ فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد صهيب أن يأكل منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تأكل تمراً وبك رمد» ـ لأن المعروف أن التمر يزيد في وجع العين - فقال: «إني أمضَغ من ناحية أخرى» (١) أي إذا


(١) أخرجه ابن ماجة ص ٢٦٨٤، كتاب الطب، باب ٣: الحمية، حديث رقم ٣٤٤٣، وقال الألباني في صحيح ابن ماجة ٢/ ٣٥٣، حديث رقم ٢٧٧٦: "حسن".