اختاروا؛ ولكنه عبر بهذا؛ لأن المشتري طالب راغب في السلعة؛ فكأن هؤلاء ــ والعياذ بالله ــ طالبون راغبون في الضلالة بمنزلة المشتري؛ و {الضلالة} هنا كتمان العلم؛ فإنه ضلال؛ وأما «الهدى» فهو بيان العلم ونشره.
وقوله تعالى:{بالهدى}: الباء هنا للعوض؛ ويقول الفقهاء: إن ما دخلت عليه الباء هو الثمن؛ سواء كان نقداً، أم عيناً غير نقد؛ فإذا قلت: اشتريت منك ديناراً بثوب، فالثمن الثوب؛ وقال بعض الفقهاء: الثمن هو النقد مطلقاً؛ والصحيح الأول؛ والثمن الذي دفعه هؤلاء هو الهدى؛ فهم دفعوا الهدى - والعياذ بالله - لأخذ الضلالة.
قوله تعالى:{والعذاب بالمغفرة}؛ فهم أيضاً اشتروا العذاب بالمغفرة؛ ولو أنهم بينوا، وأظهروا العلم لَجُوزوا بالمغفرة؛ ولكنهم كتموا، فجُوزوا بالعذاب.
قوله تعالى:{فما أصبرهم على النار}؛ «ما» تعجبية مبتدأ؛ وجملة {أصبرهم} خبرها؛ والمعنى: شيء عظيم أصبرهم؛ أو ما أعظم صبرهم على النار؛ وهذا التعجب يتوجه عليه سؤالان:
السؤال الأول: أهو تعجب من الله أم تعجيب منه؛ بمعنى: أيرشدنا إلى أن نتعجب ــ وليس هو موصوفاً بالعجب؛ أو أنه من الله ــ؟
السؤال الثاني: أن قوله: {فما أصبرهم} يقتضي أنهم يصبرون، ويتحملون مع أنهم لا يتحملون، ولا يطيقون؛ ولهذا يقولون لخزنة جهنم:{ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب}[غافر: ٤٩]؛ وينادون:{يا مالك ليقض علينا ربك}[الزخرف: ٧٧] أي ليهلكنا؛ ومن قال هكذا فليس بصابر؟