لأن الله جعل وعيد المكذبين يوم القيامة؛ ويدل لذلك آيات، وأحاديث؛ منها قول الله - تبارك وتعالى -: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}[القمر: ٤٦]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«أنه سأل ربه أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأجابه»(١).
٣ - ومنها: إثبات إتيان الله عزّ وجلّ يوم القيامة للفصل بين عباده؛ وهو إتيان حقيقي يليق بجلاله لا تُعلَم كيفيته، ولا يسأل عنها - كسائر صفاته -؛ قال الإمام مالك - رحمه الله - وقد سئل عن قوله تعالى:{الرحمن على العرش استوى}[طه: ٥] كيف استوى؟ فقال:«الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»؛ هذا وقد ذهب أهل التعطيل إلى أن المراد بإتيان الله: إتيان أمره؛ وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وصرف للكلام عن ظاهره بلا دليل إلا ما زعموه دليلاً عقلياً وهو في الحقيقة وهمي، وليس عقلياً؛ فنحن نقول: الذي نسب فعل الإتيان إليه هو الله عزّ وجلّ؛ وهو أعلم بنفسه؛ وهو يريد أن يبين لعباده، كما قال تعالى:{يبين الله لكم أن تضلوا}[النساء: ١٧٦]؛ وإذا كان يريد أن يبين، وهو أعلم بنفسه، وليس في كلامه عِيٌّ، وعجز عن التعبير بما أراد؛ وليس في كلامه نقص في البلاغة؛ إذاً فكلامه في غاية ما يكون من العلم؛ وغاية ما يكون من إرادة الهدى؛ وغاية ما يكون من الفصاحة، والبلاغة؛ وغاية ما يكون من الصدق؛ فهل بعد ذلك يمكن أن نقول: إنه لا يراد به ظاهره؟! كلا؛ لا يمكن هذا إلا إذا قال الله هو عن نفسه أنه لم يرد ظاهره؛ إذاً المراد إتيان الله
(١) أخرجه مسلم ص ١١٧٨/ كتاب الفتن، باب ٥: هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، حديث رقم ٧٢٥٨ [١٩] ٢٨٨٩.