[البقرة: ١٧] أي شبههم كشبه الذي استوقد ناراً؛ و {خلوا} بمعنى مضوا؛ فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {من قبلكم} إذا كانت {خلوا} بمعنى مضوا؟ نقول: هذا من باب التوكيد؛ والتوكيد قد يأتي بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما في قوله تعالى:{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}[البقرة: ٦٠]؛ فإن الإفساد هو العثو؛ ومع ذلك جاء حالاً من الواو؛ فهو مؤكد لعامله.
ولما كانت {مثل} مبهمة بيَّنها الله تعالى بقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا}؛ و «المس» هو مباشرة الشيء؛ تقول: مسسته بيدي، ومس ثوبه الأرض؛ فـ {مستهم} يعني أصابتهم إصابة مباشرة؛ وهذه الجملة استئنافية لبيان المثل الذي ذكر في قوله تعالى:{مثل الذين خلوا من قبلكم}.
وقوله تعالى:{مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} هذه ثلاثة أشياء؛ {البأساء}: قالوا: إنها شدة الفقر مأخوذة من البؤس؛ وهو الفقر الشديد؛ و {الضراء}: قالوا: إنها المرض، والمصائب البدنية؛ و {زلزلوا}: «الزلزلة» هنا ليست زلزلة الأرض؛ لكنها زلزلة القلوب بالمخاوف، والقلق، والفتن العظيمة، والشبهات، والشهوات؛ فتكون الإصابات هنا في ثلاثة مواضع: في المال؛ والبدن؛ والنفس.
قوله تعالى:{حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}؛ في {يقول} قراءتان: النصب، والرفع؛ أما على قراءة الرفع فعلى إلغاء {حتى}؛ وأما على قراءة النصب فعلى إعمالها؛ وهي لا تعمل إلا في المستقبل؛ فإن قيل: ما وجه نصبها وهي حكاية عن شيء مضى؟