نا القاسم بن غسان، قال: أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن رجاء الغداني، قال: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحماً فطبخه، أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غزل بصوت وهو يقول:
أضاعوني واي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته كل يوم، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة واستأذن على الأمير، قال الأمير: ائذنوا له، وأقبلوا به راكباً ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع له في مجلسه، وقال ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: يا فتى؟ أضعناك؟ فقال: لا. بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعاية الحق؛ وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.
وكان الحكم المستنصر مواصلاً لغزو الروم، ومن خالفه من المحاربين، فاتصلت ولايته إلى أن مات في صفر سنة ست وستين وثلاث مائة؛ وقد انقرض عقبه.