أبعد ارتحال الحي من جو بارق ... تؤمل أن يسلو الهوى قلب عاشق
وفيها:
إذا أظمأتني الحادثات ولم أجد ... سوى أسن من مائها متماذق
شربت سلاف السير تقطب كأسه ... لفقد خليل أو حبيب مفارق
أنا ابن السرى، لا. بل أبوها كأنما ... ركابي على قلب من الدهر خافق
صفاً تحت كف البين إن ظل غامزى ... وصاباً ذعافاً إن عرى البين ذائقى
ألفت الفيافى فهي تحسب أنني ... صواها وعيسى من ربال النقانق
وعلقت آمالي بأبيض صارم ... وأسمر خطي وأجرد سابق
فقربن من نيل العلى كل شاسع ... وأدنين من بعد المنى كل باسق
فلا تعذلينى في تسرع مهجتي ... إلى حتفها بين القنا والفيالق
فلست مريحاً من قنا الخط راحتى ... ولا معتقاً عن محمل السيف عاتقي
محمد بن عيسى بن عبد الواحد بن نجيح المعافرى، أندلسي يعرف بالأعشى، فقيه روى عن أصحاب مالك بن أنس وتفقه عليهم؛ ومات بالأندلس سنة إحدى وعشرين ومائتين.
محمد بن أبي عيسى من بني يحيى بن يحيى الليثى؛ ولى قضاء الجماعة بقرطبة، وله رحلة. وكان فقيها جليلاً عالماً موصوفاً بالعقل والدين، من أهل الأدب والشعر والمروءة والظرف؛ أورد له أحمد بن فرج شعراً، ومنه قوله في الغربة:
ويل ام ذكراى من ورق مغردة ... على قضيب بذات الجزع مياس
رددن شجواً شجاً قلب الخلي فقل ... في شجو ذي غربة ناء عن الناس
ذكرنه الزمن الماضي بقرطبة ... بين الأحبة في لهو وإيناس
هجن الصبابة لولا همة شرفت ... فصيرت قلبه كالجندل القاسى