للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله! أعيدي بالله! قال: فما سمع لها كلمة، قال: ثم نزلنا الياسرية، وبينها وبين بغداذ نحو خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل الناس بها. يبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداذ، فلما كان قرب الصباح، إذ أنا بالسوداء قد أتتنى مذعورة، فقلت: مالك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة، فقلت ويلك! وأين هي؟ قالت: والله ما أدري، قال: فلم أحس لها أثراً بعد، ودخلت بغداذ وقضيت حوائجى بها، وانصرفت إلى تميم، فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه، واغتم له، ثم ما زال بعد ذلك ذكراً لها، واجماً عليها.

محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان أبو الفضل التميمي بغداذي، سمع من أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص جزءين، ومن ابن الصلت المحبر ومن بعده؛ كذا أخبرني الشيخ الفقيه أبو محمد رزق الله، بن عبد الوهاب، بن عبد العزيز، بن الحارث وهو ابن عمر، وقال لي: إن مولده سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة، وهو من أهل بيت علم وأدب، خرج أبو الفضل إلى القيروان في أيام المعز بن باديس، فدعاه إلى دعوة بني العباس فاستجاب له، ثم وقعت الفتن واستولت العرب على البلاد، فخرج منها إلى الأندلس، ولقى ملوكها وحظى عندهم بأدبه وعلمه، واستقر بطليطلة، فكانت وفاته بها في سنة أربع وخمسين وأربع مائة، على ما أخبرني به أبو الحسن علي بن أحمد العابدي، وكان له نظم رائع، ونثر بديع.

ومن نظمه ونسخته وقرأته من خطه رحمه الله على الشيخ الإمام أبي محمد ابن عمه قال: أنشدني أبو الفضل محمد بن عبد الواحد لنفسه، من قصيدة طويلة أولها:

<<  <   >  >>