الروم، حتى إنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد، فتقع له نية في ذلك، فلا يرجع إلى قصره ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد، فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولا، فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراد من العساكر؛ غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامرية بأوقاتها؛ وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جمة امتنعت على من كان قبله، وملأ الأندلس بالغنائم والسبى، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزو تين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يامر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال، وأن يجمع ويحتفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره؛ وتوفي في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة؛ وكانت مدته في الإمارة بضعاً وعشرين سنة.
وتقلد الإمارة بعده ابنه المظفر أبو مروان عبد الملك بن محمد فجرى في الغزو والسياسة والنيابة عن هشام المؤيد وحجابته مجري أبيه، وكانت أيامه أعياداً دامت سبع سنين إلى أن مات، وثارت الفتن بعده.
قال لي أبو محمد علي بن أحمد: كان المنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر، معافري النسب من حمير، وأمه تميمية، وهي بريهة بنت يحيى بن زكريا التميمي المعروف بابن برطال، ولذلك قال فيه أحمد ابن دراج من قصيدة له فيه:
تلاقت عليه من تميم ويعرب ... شموس تلالى في العلى وبدور
من الحميريين الذين أكفهم ... سحائب تهمى بالندى وبحور
محمد بن عاصم أبو عبد الله، نحوي مشهور إمام في العربية، ذكره أبو محمد علي ابن أحمد، وأثنى عليه وقال: