محمد بن عوف العكي أندلسي محدث. مات في حدود العشرين وثلاث مائة.
محمد بن أبي عامر أبو عامر، أمير الأندلس في دولة هشام المؤيد، كان أصله، فيما يقال، من الجزيرة الخضراء، وله بها قدر وأبوة، وورد شاباً إلى قرطبة، فطلب العلم والأدب، وسمع الحديث، وتميز في ذلك، وكانت له همة يحدث بها نفسه بإدراك معالى الأمور ويزيد في ذلك، حتى كان يحدث من يختص به بما يقع له من ذلك، وله في ذلك أخبار كثيرة عجيبة، قد أوردنا ما اتفق منها في كتاب الأماني الصادقة، ثم علت حاله، وتعلق بوكالة صبح أم هشام المؤيد، بن الحكم المستنصر، والنظر في أموالها وضياعها، وزاد أمره في الترقي معها إلى أن مات الحكم المستنصر، وكان هشام صغيراً، وخيف الاضطراب، فضمن لصبح سكون الحال، وزوال الخوف، واستقرار الملك لابنها؛ وكان قوي النفس ساعدته المقادير، وأمدته المرأة بالأموال، واستمال العساكر، وجرت أحوال علت قدمه فيها حتى صار صاحب التدبير، والمتغلب على الأمور؛ وحجب هشاماً المؤيد، وتلقب بالمنصور، وأقام الهيبة فدانت له أقطار الأندلس كلها، وأمنت به، ولم يضطرب عليه شيء منها أيام حياته لعظيم هيبته، وسياسته؛ وكان محباً للعلم، مؤثراً للأدب، مفرطاً في إكرام من ينتسب إليهما، ويفد عليه متوسلاً بهما، بحسب حظه منهما، وطلبه لهما، ومشاركته فيهما؛ وكان له مجلس معروف في الأسبوع، يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته، ما كان مقيماً بقرطبة، لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد، مواصلاً لغزو