صالح بن محمد المرادى أبو محمد، يعرف بابن الوركاني، وشقى محدث، مات بالأندلس سنة اثنتين وثلاث مائة.
صاعد بن الحسن الربعي اللغوي أبو العاء، ورد من المشرق إلى الأندلس في أيام هشام بن الحكم المؤيد وولاية المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في حدود الثمانين وثلاث مائة، وأظن أصله من ديار الموصل، ودخل بغداد، وكان عالماً باللغة والآداب والأخبار، سريع الجواب، حسن الشعر، طيب المعاشر، فكه المجالسة ممتعا، فأكرمه المنصور، وزاد في الإحسان إليه والإفضال عليه، وكان مع ذلك محسناً للسؤال، حاذقاً في استخراج الأموال طباً بلطائف الشكر.
أخبرني بعض المشايخ بالأندلس أن أبا العلاء دخل على المنصور أبي عامر يوماً في مجلس أنس وقد كان تقدم فاتخذ قميصاً من رقاع الخرائط التي وصلت إليه فيها صلاته، ولبسه تحت ثيابه، فلما خلا المجلس ووجد فرصة لما أراد تجرد وبقى في القميص المتخذ من الخرائط فقال له: ما هذا؟ فقال: هذه رقاع صلات مولانا اتخذتها شعاراً وبكى وأتبع ذلك من الشكر بما استوفاه، فأعجب ذلك المنصور وقال له؛ لك عندي مزيد، وكان قد نفق عليه. ومما ألف له: كتاب الفصوص على نحو كتاب النوادر لأبي على القالي وكتاباً آخر على مثال كتاب الخزرجي أبى السرى سهل به أبي غالب سماه كتاب الهجفجف بن غدقان بن يثربى مع الهنوت بنت مخرمة بن أنيف، وكتاباً آخر في معناه سماه كتاب الجواس بن قعطل المذحجى مع ابنة عمه عفراء.
قال لي أبو محمد على بن أحمد: وهو كتاب مليح جداً، وكان المنصور أبو عامر كثير الشغف بكتاب الجواس حتى رتب له من يخرجه أمامه في كل ليلة، ويقال إن أبا العلاء لم يحضر بعد موت المنصور