ثابت بن محمد بن الجرجاني العدوى أبو الفتوح، قدم الأندلس سنة ست وأربع مائة، وكان مع الموفق أبي الجيش في غزوته سردانية، ثم رجع وجال في أقطار الأندلس، وبلغ إلى ثغورها ولقى ملوكها، وكان إماماً في العربية متمكناً في علم الأدب، مذكوراً بالتقدم في علم المنطق، دخل بغداذ وأقام فيها في الطلب، وأملى بالأندلس في شرح كتاب الجمل لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجى، رأيت شيئاً منه.
أخبرني أبو محمد علي بن أحمد، قال: أخبرني أبو عمرو البراء بن عبد الملك الباجي قال: لما ورد أبو الفتوح الجرجاني الأندلس كان أول من لقى من ملوكها الأمير الموفق أبو الجيش مجاهد العامري فأكرمه، وبالغ في بره، فسأله يوماً عن رفيق له من هذا معك؟ فقال:
رفيقان شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقى الشتى فيأتلفان
قال أبو محمد: ثم لقيت بعد ذلك أبا الفتح فأخبرني عن بعض شيوخه أن ابن الأعرابي رأى في مجلسه رجلين يتحدثان فقال لأحدهما: من أين أنت؟ فقال: من اسبيجاب، وقال للآخر من أين أنت؟ قال: من الأندلس؛ فعجب ابن الأعرابي وأنشد البيت المتقدم؛ ثم أنشدني تمامها:
نزلنا على قيسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان
فقالت وأرخت جانب الستر دوننا ... لأية أرض أم من الرجلان
فقلت لها: أما رفيقي فقومه ... تميم وأما أسرتي فيمان