إلى أوطانهم، ورد عليهم ضياعهم وأملاكهم، ولم يسمع بغيا في أحد من الرعية، وكان أديب اللقاء، حسن المجلس، يقول من الشعر الأبيات الحسان؛ ومع هذا فكان لا يصحب ولا يقرب إلا كل ساقط رذل، ولا يحجب حرمه عنهم، وكل من طلب منه حصناً من حصون بلاده ممن يجاوره من صنهاجة أو بني يفرن أعطاهم إياه، وكتب إليه أمير صنهاجة في أن يسلم إليه وزيره ومدبره أمره وصاحب أبيه وجده؛ موسى بن عفان السبتي، فلما أخبره بأن الصنهاجي طلبه منه، وأنه لا بدله من تسليمه إليه، قال له موسى بن عفان أفعل ما تؤثر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فبعت به إلى الصنهاجي فقتله، وكان قد اعتقل ابني عمه محمداً وحسنا ابني إدريس في حصن يعرف بأيرس، فلما رأى ثقته الذي في الحصن اضطراب آرائه، خالف عليه، وقدم ابن عمه محمد بن إدريس، فلما بلغ ذلك السودان المرتبين في قصبة مالقة، نادوا بدعوة ابن عمه محمد بن إدريس، وراسلوه في المجيء إليهم، وامتنعوا بالقصبة، فاجتمعت العامة إلى إدريس بن يحيى واستأذنوه في حرب القصبة والدفاع عنه، ولو أذن لهم ما ثبت السودان ساعة من النهار فأبى وقال: ألزموا منازلكم ودعوني، فتفرقوا عنه، وجاء ابن عمه فسلم إليه، وبويع بالخلافة وتسمى المهدي، وولي أخاه عهده، وسماه السامي، واعتقل ابن عمه إدريس العالي في الحصن الذي كان هو معتقلاً فيه، وظهرت في محمد ابن إدريس هذا رجلة وجرأة شديدة هابه بها جميع البرابر، وأشفقوا منه، وراسلوا المرتب في الحصن الذي كان فيه إدريس بن يحيى واستمالوه فأجابهم، وقام بدعوته.