ابن المنصور محمد بن أبي عامر، كان من أهل الأدب والشجاعة والمحبة للعلوم وأهلها، نشأ بقرطبة، وكانت له همة وجلادة وجرأة، فلما جاءت أيام الفتنة، وتغلبت العساكر على النواحي بذهاب دولة بني أبي عامر، قصد هو فيمن تبعه الجزائر التي في شرق الأندلس، وهي جزائر خصب وسعة، فغلب عليها وحماها، ثم قصد منها في المراكب إلى سردانية؛ جزيرة من جزائر الروم كبيرة في سنة ست أو سبع وأربع مائة، فغلب على أكثرها وافتتح معاقلها، ثم اختلفت عليه أهواء الجند، وجاءت أمداد الروم، وقد عزم على الخروج منها طمعاً في تفرق من يشغب عليه، فعاجلته الروم وغلبت على أكثر مراكبه؛ فأخبرنا أبو محمد علي بن أحمد قال: حدثني أبو الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني، قال: كنت مع أبي الجيش مجاهد أيام غزاته سردانية، فدخل بالمراكب في مرسى نهاه عنه أبو خروب رئيس البحريين، فلم يقبل منه، فلما حصل في ذلك المرسي هبت ريح، فجعلت تقذف مراكب المسلمين مركباً مركباً إلى الريف، والروم وقوف لا شغل لهم إلا الأسر والقتل للمسلمين، فكلما سقط مركب بين أيديهم جعل مجاهد يبكي بأعلى صوته لا يقدر هو ولا غيره على أكثر، لارتجاج البحر وزيادة الريح، قال: فيقبل علينا أبو خروب وينشد.
بكا دوبل لا أرقأ الله عينه ... ألا إنما يبكي من الذل دوبل
ثم يقول: قد كنت حذرته من الدخول ها هنا فلم يقبل، قال: فبجريعة الذقن ما تخلصنا في يسير من الراكب.
هذا آخر خبر ثابت بن محمد. ثم عاد مجاهد إلى الجزائر الأندلسية التي كانت في طاعته، واختلفت به الأحوال حتى غلب على دانية وما يليها، واستقرت إقامته فيها