وَلَا فرق وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الْخلَافَة لَيست من قبل فضل الْوَاحِد فِي دينه فَقَط وَجَبت لمن وَجَبت لَهُ وَكَذَلِكَ الْإِمَارَة لِأَن الْإِمَارَة قد تجوز لمن غَيره أفضل مِنْهُ وَقد كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَأْمُور بِطَاعَة عَمْرو بن الْعَاصِ إِذْ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل فَبَطل أَن تكون الطَّاعَة إِنَّمَا تجب للأفضل فَالْأَفْضَل وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن الْعَاصِ وخَالِد بن الْوَلِيد كثيرا وَلم يَأْمر أَبَا ذَر أفضل وَأَبُو ذَر أفضل خيرا مِنْهُمَا بِلَا شكّ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا وَجَبت طَاعَة الْخُلَفَاء من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي أموامر هم مذ ولوا لَا قبل ذَلِك وَلَا خلاف فِي أَن الْولَايَة لم تزدهم فضلا على مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا زادهم فضلا عدلهم فِي الْولَايَة لَا الْولَايَة نَفسهَا وعدلهم دَاخل فِي جملَة أَعْمَالهم الَّتِي يسْتَحقُّونَ وَالْفضل بهَا أَلا ترى أَن مُعَاوِيَة وَالْحسن إِذْ وليا كَانَت طاعتهما وَاجِبَة على سعد بن أبي وَقاص وَسعد أفضل مِنْهُمَا ببون بعيد جدا وَهِي حَيّ مَعَهُمَا مَأْمُور بطاعتهما وَكَذَلِكَ القَوْل فِي جَابر وَأنس بن مَالك وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم فِي وجوب طَاعَة عبد الْملك بن مَرْوَان وَالَّذِي بَين جَابر وَأنس وَابْن عَمْرو بَين عبد الْملك فِي الْفضل كَالَّذي بَين النُّور والظلمة فَلَيْسَ فِي وجوب طَاعَة الْوُلَاة مَا يُوجب فضلا فِي الْجنَّة فَإِن اعْترض معترض بقول الله تَعَالَى {وَالَّذين أمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ وَمَا التناهم من عَمَلهم من شَيْء كل امْرِئ بِمَا كسب رهين} فبيان اعتراضه ظَاهر فِي آخر الْآيَة وَهُوَ أَن إِلْحَاق الذُّرِّيَّة بالأباء لَا يَقْتَضِي كَونهم مَعَهم فِي دَرَجَة وَلَا هَذَا مَفْهُوم من نَص الْآيَة بل إِنَّمَا فِيهَا إلحاقهم بهم فِيمَا ساورهم فِيهِ بِنَصّ الْآيَة ثمَّ بَين تَعَالَى ذَلِك وَلم يدعنا فِي شكّ بقوله {كل امْرِئ بِمَا كسب رهين} فصح أَن كل وَاحِد من الأباء وَالْأَبْنَاء يجازى حسب مَا كسب فَقَط وَلَيْسَ حكم الْأزْوَاج كَذَلِك بل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه فِي قصوره وعَلى سرره ملتذ بِهن ومعهن جَزَاء لَهُنَّ بِمَا عملن من الْخَبَر وبصبرهن واختبار الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدَّار الْآخِرَة وَهَذِه منزلَة لَا يحلهَا أحد بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فهن أفضل من كل وَاحِد دون الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَإِن شغب مشغب بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَأَيْت من ناقصات عقل وَدين أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن حملت هَذَا الحَدِيث على ظَاهره فيلزمك أَن تَقول أَنَّك أتم عقلا وديناً من مَرْيَم وَأم مُوسَى وَأم إِسْحَاق وَمن عَائِشَة وَفَاطِمَة فَإِن تَمَادى على هَذَا سقط الْكَلَام مَعَه وَلم يبعد عَن الْكفْر وَإِن قَالَ لَا سقط اعتراضه وَاعْترض بِأَن من الرِّجَال من هُوَ أنقص دينا وعلاقلا من كثير من النِّسَاء فَإِن سَأَلَ عَن معنى هَذَا الحَدِيث قيل لَهُ قد بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجه لَك النَّقْص وَهُوَ كَون شَهَادَة على الْمَرْأَة على النّصْف من شَهَادَة الرجل وَكَونهَا إِذا حَاضَت لَا تصلي وَلَا تَصُوم وَلَيْسَ هَذَا بِمُوجب نُقْصَان الْفضل وَلَا نُقْصَان الدّين وَالْعقل فِي غير هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَقَط إِذْ بِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَن فِي النِّسَاء من هن أفضل من كثير من الرِّجَال وَأتم دينا وعقلاً غير الْوُجُوه الَّتِي ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول إِلَّا حَقًا فصح يَقِينا أَنه إِنَّمَا عبر عَلَيْهِ السَّلَام مَا قد بَينه فِي الحَدِيث نَفسه من الشَّهَادَة وَالْحيض فَقَط وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا ينقص الْفضل فقد علمنَا أَن أَبَا بكر وعلياً لَو شهدُوا فِي زنا لم يحكم بِشَهَادَتِهِم وَلَو شهد بِهِ أَرْبَعَة منا عدُول فِي الظَّاهِر حكم بِشَهَادَتِهِم وَلَيْسَ ذَلِك بِمُوجب أننا أفضل من هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين وَكَذَلِكَ القَوْل فِي شَهَادَة النِّسَاء فَلَيْسَتْ الشَّهَادَة