وَمَغَارِبهَا برهَا وبحرها وكل نَاحيَة مِنْهَا أقرب إِلَى ملك الْمَوْت من الرجل على مائدته وَإِن مَعَه أعوانا الله أعلم بِعدَّتِهِمْ لَيْسَ مِنْهُم ملك إِلَّا لَو أذن الله لَهُ أَن يلتقم السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فِي لقْمَة وَاحِدَة لفعل وَمَا تقرب ملك الْمَوْت من حَملَة الْعَرْش إِلَّا ازدادوا فَزعًا مِنْهُ حَتَّى يرعدوا وَإِن غصه من غصص الْمَوْت أَشد من ألف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ وَفِي كل مَا خلق الله عز وَجل الْبركَة إِلَّا فِي الْأَجَل فَإِنَّهُ مُؤَقّت لوفاء الْعدة وانقضاء الْمدَّة
وأنشدوا
(للمنايا رحى عَلَيْك تَدور ... كلنا جَاهِل بهَا مغرور)
(رحم الله من بَكَى للخطايا ... كل باك فذنبه مغْفُور)
يَا ابْن آدم مَا أغفلك وَعَن الصَّوَاب مَا أبعدك كَأَنَّك بِالْمَوْتِ قد فاجأك وَملك الْمَوْت قد وافاك فيئس مِنْك الطَّبِيب وفارقك الحبيب وتفجع لفقدك كل قريب
فَوَقَعت فِي الْحَسْرَة وجفتك الْعبْرَة وَبَطل مِنْك اللِّسَان بعد الفصاحة وَالْبَيَان وأدرجت فِي الأكفان وأزعجت عَن الأوطان وَصَارَ الْقَبْر مأواك وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة مثواك
وفارقك الْأَهْل والإخوان وَوَقع بهم عَنْك السلو وَالنِّسْيَان فَإِن كَانَ لَك منزل سكنوه أَو كنت ذَا مَال اقتسموه
وأنشدوا
(يَا عجبا للْأَرْض مَا تشبع ... وكل حَيّ فَوْقهَا يفجع)
(ابتلعت عادا فأفنتهم ... وَبعد عَاد أهلكت بتبع)
(وَقوم نوح أدخلت بَطنهَا ... فظهرها من جمعهم بلقع)
(يَا أَيهَا الراضي بِمَا قد مضى ... هَل لَك فِيمَا قد مضى مطمع)
٢٥٨ - اذكر الْمَوْت
يَا هَذَا اذكر مَا وَصفته واحفظ مَا حكيته وَعَلَيْك بِالصَّوْمِ وَالِاجْتِهَاد وَالطَّاعَة لرب الْعباد ومراقبته فِي اللَّيْل وَالنَّهَار والتضرع إِلَيْهِ فِي ظلمات الأسحار
يَا هَذَا عمرك أنفاس مَعْدُودَة وَعَلَيْك رَقِيب يحصيها لَا تنس الْمَوْت فَإِنَّهُ لَا ينساك
الْمُبَادرَة الْمُبَادرَة إِنَّمَا هِيَ أنفاس لَو حبست عَنْك لانقطع عَنْك عَمَلك آخر الْأَبَد وَخُرُوج نَفسك آخر الأمد وفراق أهلك آخر الْعدَد
وأنشدوا
(إِذا مَا الْمَوْت جر على أنَاس ... كلا كُله أَنَاخَ بآخرينا)
(فَقل للشامتين بِنَا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كَمَا لَقينَا)