الله حب الدُّنْيَا من قلبه وتبرم بِبَقَائِهِ بَين خلقه
فَحِينَئِذٍ يشتاق إِلَى لِقَائِه
قَالَ قلت لَهُ أَخْبرنِي عَن غَايَة الزّهْد فِي الدُّنْيَا قَالَ ترك الْحَلَال حَتَّى لَا يَقع فِي الْحَرَام قَالَ قلت أَخْبرنِي عَن غَايَة الرِّضَا بِاللَّه تَعَالَى قَالَ إِذا كنت رَاضِيا بِكُل مَا قدر الله تَعَالَى وقضاه وأحكمه وأمضاه وَأَنه هُوَ المتفضل على الْمُتَّقِينَ بفضله والخاذل لمن شَاءَ بعدله قلت لَهُ أَخْبرنِي عَن غَايَة الْعِبَادَة قَالَ تجمع الهموم فتجعلها هما وَاحِدًا حَتَّى يَسْتَوِي عنْدك الْعمرَان والخراب وَتَكون خَائفًا من الله تَعَالَى كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك
قلت لَهُ كَيفَ النجَاة من مُخَالفَة النَّاس قَالَ إِنَّمَا النَّاس رجلَانِ عَاقل وجاهل فالعاقل اشْتغل بعيوب نَفسه عَن عُيُوب غَيره وَقَامَ مُجْتَهدا بِطَاعَة ربه فَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْك وَلَا إِلَى غَيْرك وَأما الْجَاهِل فَلَا يُبَالِي كَيفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ
فَعَلَيْك بالبراري والقفار والاستئناس بِالْوَاحِدِ القهار قلت فَمن أَيْن الْقُوت قَالَ تهرب إِلَى الله تَعَالَى وَقد فتح لَك بَاب التَّوَكُّل عَلَيْهِ ويضيعك حَتَّى تتهمه فِي رزقك إِنَّه رؤوف رَحِيم لَا يسلمك
ثمَّ تصافحنا وتفرقنا ودعا لي فَمَا رَأَيْت أنور قلبا مِنْهُ
وَوجد على قبر مَكْتُوب
(تناجيك أجداث وَهن سكُوت ... وسكانها تَحت التُّرَاب خفوت)
(فيا جَامع الدُّنْيَا لغير بلاغة ... لمن تجمع الدُّنْيَا وَأَنت تَمُوت)
عباد الله ارحموا أَنفسكُم قبل نزُول الْعَذَاب فَإِن الْقَبْر لَا يرحم من لَيْسَ لَهُ عمل وَلَا يشفق على من غره طول الأمل وَلَا يحن على من ضيع أَيَّام الْمهل
وأنشدوا
(مَا حَال من سكن الثرى مَا حَاله ... أَمْسَى وَقد صرمت هُنَاكَ حباله)
(أَمْسَى وَلَا روح الْحَيَاة تصيبه ... يَوْمًا وَلَا لطف الحبيب يَنَالهُ)
(أضحى وَقد درست محَاسِن وَجهه ... وَتَفَرَّقَتْ فِي قَبره أوصاله)
(واستبدلت مِنْهُ المحاسن غبرة ... وتقسمت من بعده أوصاله)
(مَا زَالَت الْأَيَّام تلعب بالفتى ... وَالْمَال يذهب صَفوه وَحَلَاله)
٣٢٤ - عِيسَى وَالْمَدينَة الخربة
رُوِيَ أَن عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَدِينَة خربة فَدخل قصرا من قُصُورهَا فَنَادَى يَا خراب الْأُخَر بَين أَيْن أهلك فَأَجَابَهُ شَيْء من آخر الْقصر يَا ابْن