الأوبة
يَا أخي يَا أخي وَمَا عَسى أَن أَقُول لَك من كرم مَوْلَاك الْجَلِيل جلّ جَلَاله لَو أَن الذُّنُوب الَّتِي عملت فِي أَيَّام طغيانك وعصيانك كَانَت مثل جبال الدُّنْيَا برمالها وبحارها وأنهارها وتبت تَوْبَة وَاحِدَة بِصدق وحرقة وندامة ليغفرها لَك مَوْلَاك الْكَرِيم بكرمه وفضله وَلَا تسْأَل عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة وأنشدوا
(نهاك الطَّبِيب محيلا على ... مطاعم لَو نلتها لم تمت)
(وخاطبك الله جلّ اسْمه ... بترك الذُّنُوب الَّتِي حرمت)
(فَأَعْرَضت عَن أمره لاهيا ... وَأمنت نَفسك مَا خوفت)
(فأطمعتها أَن تنَال الرِّضَا ... بجهلك فِي فضل من قد عَصَتْ)
(فَمَاذَا تَقول إِذا أزعجت ... لتخرج بالكره فاستسلمت)
(فَلَا نَدم حط أَوزَارهَا ... وَلَا تَوْبَة غسلت مَا جنت)
(وأفردت وَحدك فِي ملحد ... بَكت فِيهِ نَفسك مَا أسلفت)
١٦٤ - مَا تحويه الْآيَة
يَا أهل الذُّنُوب تدبروا هَذِه الْآيَة فَإِن فِيهَا بلاغة لمن تذكر وزجرا لمن اعْتبر وتخويفا لمن تدبر ونهيا لمن تفكر
فالفكرة عبَادَة وَخير وَزِيَادَة لِأَن مولاكم الْكَرِيم قد خوفكم وهددكم وزجركم بهَا زجرا شَدِيدا فَقَالَ {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا} آل عمرَان ٣٠ ثمَّ قَالَ {ويحذركم الله نَفسه} آل عمرَان ٣٠ أَي يحذركم عِقَابه وعذابه إِذا عصيتموه ويجزل لكم ثَوَابه إِذا أطعتموه فَلَا يحقرن أحدكُم من الذُّنُوب شَيْئا وَإِن صغر فَرُبمَا كَانَ فِيهِ شدَّة الْعَذَاب وَالْعِقَاب وَلَا يحقرن أحدكُم حَسَنَة يعملها وَإِن قلت فَرُبمَا كَانَ فِيهِ الرِّضَا من الْملك الْوَهَّاب
وَاعْلَمُوا أَن الذَّنب الَّذِي يحقره صَاحبه يكون يَوْم الْقِيَامَة فِي ميزَان فَاعله أثقل من جبال الأَرْض فازجر نَفسك عَن غيها وَقدم فِي حياتك
ليَوْم فقرك
وَالْأَصْل فِي الذَّنب الصَّغِير أَن يكون سَببا لدُخُول صَاحبه فِي النَّار
إِن العَبْد الْمَغْرُور يعْمل الذَّنب ويحقره وَلَا يفكر فِي من قد عَصَاهُ وَهُوَ الْجَبَّار جلّ جَلَاله فَعِنْدَ ذَلِك