السُّوق لَكَانَ المريد محقوقا إِذا دخل السُّوق أَن لَا يَشْتَرِي شَيْئا غَيره وَالله تَعَالَى قد فَضلكُمْ بدين الْإِسْلَام وَمن عَلَيْكُم بِشَهْر الصّيام وَالله أعلم
وأنشدوا
(وَرَبك لَو أَبْصرت يَوْمًا تَتَابَعَت ... عزائمهم حَتَّى لقد بلغُوا الجهدا)
(لأبصرتم قد حَاربُوا النّوم وَارْتَدوا ... بأردية السهاد واستعملوا الكدا)
(وصاموا نَهَارا دَائِما ثمَّ أفطروا ... على بلغ الأقوات واستقربوا البعدا)
(أُولَئِكَ قوم حسن الله فعلهم ... وأورثهم من حسن فعلهم الخلدا)
قيل أَمرهم الْمولى جلّ جَلَاله بالصيام لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل النَّار شَيْء أَشد من الْجُوع وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى يلقِي عَلَيْهِم حَتَّى ينسوا كل الْعَذَاب من شدَّة الْجُوع
فيستطعمون مَالك خَازِن النَّار فيأتيهم بِطَعَام الغصة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة وَعَذَابًا أَلِيمًا} المزمل ١٢ فيعبر فِي حُلُوقهمْ فَيَقُولُونَ إِنَّا كُنَّا نبتلع الْغصَص فِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ فيستسقون الْمهل كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ} الْكَهْف ٢٩ الْآيَة
فَأمر الله تَعَالَى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصيام هَذَا الشَّهْر ليصرف عَنْهُم ذَلِك الْجُوع وَكَذَلِكَ أَمر الله تَعَالَى بصيامه سَائِر الْأُمَم فآمنت بِهِ هَذِه الْأمة وكفرت بِهِ سَائِر الْأُمَم وَهَذَا من لطف الله تَعَالَى على أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأنشدوا
(إِذا الْمَرْء لم يتْرك طَعَاما يُحِبهُ ... وَلم يعْص قلبا غاويا حَيْثُ يمما)
(قضى وطرا مِنْهُ يَسِيرا وأصبحت ... إِذا ذكرت أَمْثَاله تملأ الفما)
وَقيل فرض عَلَيْهِم صِيَام شهر رَمَضَان لِأَن الزّهْد زهدان زهد فِي الْحَلَال وزهد فِي الْحَرَام وَأَشْرَفهَا الزّهْد فِي الْحَلَال فَأَمرهمْ الله تَعَالَى بِصَوْم هَذَا الشَّهْر حَتَّى يعطيهم ثَوَاب زهد الْحَلَال وَالْحرَام
وَقيل أَرَادَ الله تَعَالَى بذلك انتباه الْأَغْنِيَاء ليعلموا حَال الْفُقَرَاء فيصوموا مَعَهم وَقيل حَتَّى يذكرُوا بِشدَّة الصَّوْم شدَّة الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل الْقِيَامَة أَشد من الْجُوع وليعلموا أَنه إِذا كَانَت فِي طَاعَة الله تَعَالَى شدَّة فَإِن الْجُوع فِي النَّار أعظم شدَّة
فَالله الله عباد الله اجتهدوا فِي حفظ هَذَا الشَّهْر الْعَظِيم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين يَوْم يفوز فِيهِ الصَّائِم ويحشر فِيهِ المتأني المتهاون الظَّالِم إِذا عرضت عَلَيْهِ الأوزار والجرائم وانتهاك المحذورات والمحارم