ثمَّ ضرب الله تبَارك وَتَعَالَى مثلا للْكَافِرِينَ فَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء} النُّور ٣٩ يرَاهُ من الْبعد {حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا} النُّور ٣٩ كَذَلِك الْكَافِر بِحَسب مَا قدم من عمله فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ بل وجده بلَاء وحسرة عَلَيْهِ لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى محقه وأبطله بالنفاق وَالْكفْر لِأَنَّهُ عمل لم يعمله لوجه الله تبَارك وَتَعَالَى وَلَا ينفع من الْأَعْمَال كلهَا إِلَّا مَا كَانَ لوجه الله خَالِصا وَالْكَافِر وَالْمُنَافِق لم يرد بِعَمَلِهِ وَجه الله تَعَالَى فنعوذ بِاللَّه من النِّفَاق وَالْكفْر بعد الْإِيمَان وَمن زَوَال النِّعْمَة بعد الْإِحْسَان وَمن القطيعة والحرمان وَمن ترك الزِّيَادَة وَلُزُوم النُّقْصَان وَمن ترك الْعِزّ وَاتِّبَاع الهوان وَترك الْمولى الْكَرِيم وصحبة الشَّيْطَان
ثمَّ وصف الْجَبَّار جلّ جَلَاله وتقدست أسماؤه الرِّجَال الَّذين يسبحون لَهُ بالمساجد فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى {يسبح لَهُ فِيهَا} النُّور ٣٦ يَعْنِي الْمَسَاجِد {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} النُّور ٣٦ فسبحان من لَو سجدنا لَهُ على جمر الغضا وحرارة الرمضاء مَا بلغنَا جُزْءا وَاحِدًا من فنَاء الْأَعْدَاء من حق الْملك الْجواد الَّذِي أنعم علينا بِنِعْمَة الْإِسْلَام وفضلنا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير نَبِي وَأكْرم إِمَام شَاهدا علينا فِي جَمِيع الْأَحْكَام وَجعل هَذِه الْأمة شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة على النَّاس يَوْم تشقق فِيهِ السَّمَاء بالغمام
فَمن كَانَت هَذِه النِّعْمَة من بعض نعمه عَلَيْهِم كَيفَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَة أَو بيع عَن ذكر الله وتجارتهم مَعَ الله رابحة ومحاسنهم لِذَوي الْأَلْبَاب لائحة