للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْيَ الإنكار، ولا ينافي هذا ما ذهَبَ إلَيْه الشيخ (١) عن أنَّ الحقَّ في تعريف الشاذِّ هو: "ما رواه المقبولُ مخالفًا لمنْ هُوَ أَوْلَى منه" (٢)؛ لأنَّ الشاذَّ له إطلاقاتُهُ، والمراد بالعلَّةِ العلَّةُ الخفية، وهي ما طَرَأَتْ على الحديثِ السالِمِ ظاهرهً منها، ولا يطلعُ عليه إلا المتبحِّر في الشأن، وليس المراد بذكر الخفية: إخراجَ الظاهرةِ؛ لأن الخفيَّة إذا أثَّرَتْ، فالظاهرة أَوْلَى؛ بل الظاهرة: إما راجعةٌ إلَى ضعف الراوي، أو عَدَمِ اتصالِ السند؛ وذلك خارجٌ بما سبق، واحترز بالقادحة - كالإرسال - عن غيره.

فإذا توفَّرَتْ هذه الأمور، فهو - أي المقبول - يقالُ له: "الصَّحيح لذاتِهِ".

واعلم: أنَّ المراد به ما في حدث بهذه الأمور، وبالضعيف: ما لم توجَدْ، لا ما هو كذلك في نَفْس الأَمْر؛ لجواز صِدْقِ الكاذب، وخَطَإ الراوي، وأنَّ الصحيحَ قد يكُونُ فَرْدًا وقد يكونُ غَيْرَ فَرْد؛ لأن الأدلَّة على قَبُول خبر الواحد، لا تفصِّلُ بين الفَرْد وغيره؛ ولهذا أطلق المصنِّف وذهب أبو عليٍّ الجُبائي (٣) من المعتزلة: إلى اشتراط العدد في قَبُول الخبر، وهو ظاهرُ كلامِ الحاكمِ، في "علوم الحديث" (٤)، ولا يَرِدُ أنَّ المتواتِرَ صحيح مع أنه لا يشترط فيه هذه القيود؛ لأن عمادة النقض لابُدَّ أن تكُون محقَّقة، ووجود حديث متواتِرٍ لا تجتمعُ فيه هذه الأمورُ غَيْر متحقِّقة.


(١) يعني بالشيخ الحافظ ابن حجر.
(٢) "نزهة النظر": (٣٥).
(٣) تقدمت ترجمته، وانظر كلامه في "المعتمد" لأبي الحسين البصري (١/ ٦٢٢).
(٤) حيث قال في علوم الحديث ص (٦٢): "وصفة الحديث الصحيح أن يرويه عن رسول الله صحابي زائل عنه اسم الجهالة، وهو أن يروي عنه تابعيان عدلان ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا كالشهادة على الشهادة". اه.

<<  <   >  >>