فيه براعة الاستهلال، وهي كون نتين الكلام مناسب للمقصود. (٢) التوسل بذات النبي ﷺ مما لم يشرعه الله ﷿، ولا يجوز التوسل لا بالنبي ﷺ ولا بغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "فلفظ التوسل" بالشخص و "التوجه" به والسؤال به فيه إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة: ١ - يراد به التسبب به، لكونه داعيًا وشافعًا مثلاً، أو لكون الداعي مجيبًا له مطيعًا لأمره، مقتديًا به فيكون التسبب إما بمحبة السائل له و اتباعه له و إما بدعاء الوسيلة وشفاعته. ٢ - ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته، فلا يكون التوسل بشيء منه ولا بشيء من السائل بل بذاته، أو لمجرد الإقسام به على الله. فهذا الثاني هو الذي كرهوه. ونهوا عنه، وكذلك لفظ السؤال بشيء قد يراد به المعنى الأول، وهو التسبب به لكونه سببًا في حصول المطلوب. وقد يراد به الإقسام. اه. "اقتضاء الصراط المستقيم" ص (٤١٦) وانظر "شرح العقيدة الطحاوية" ص: (٢٣٧ - ٢٣٨)، وقد نقل كلام شيخ الإسلام الذي ذكرته بالنص. وقال العلامة عبد العزيز بن باز -متع الله بحياته- في سياق جوابٍ له عن أنواع التوسل المشروع والممنوع: "أما التوسل بجاهه ﷺ، أو بذاته، أو بحقه، أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم، فمن البدع التي لا أصل لها؛ بل من وسائل الشرك، لأن الصحابة ﵃ وهم أعلم الناس بالرسول ﷺ؛ وبحقه لم يفعلوا ذلك، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه". اه "فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة" ص (٢٣). وقال العلامة الألبانى -متع الله بحياته- بعد أن ذكر أقسام التوسل المشروع، قال: "وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ففيه خلاف، والذي نعتقده وندين الله تعالى به أنه غير جائز ولا مشروع، لأنه لم يرد فيه دليل، تقوم به الحجة، وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة، مع أنه قد قال ببعضه بعض الأئمة، فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول ﷺ وحده فقط، وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره عن الأنبياء والصالحين، ولكننا -كشأننا في جميع الأمور الخلافية- ندور مع الدليل حيث دار، ولا نتعصب للرجال، ولا ننحاز لأحد إلا للحق كما نراه ونعتقده، وقد رأينا في قضية التوسل التي نحن بصددها الحق مع الذين حظروا التوسل بمخلوق، ولم نر لمجيزيه دليلاً صحيحًا يُعتد به، ونحنُ نطالبهم بأن يأتونا بنص صحيح صريح، من الكتاب أو السنة فيه التوسل بمخلوق، وهيهات أن يجدوا شيئًا يؤيد ما يذهبون إليه، أو يسند ما يدعونه، اللهم إلا شبهًا واحتمالات". ثم شرع يردها ويفندها. "التوسل أحكامه وأنواعه" ص (٤٦ - ٤٧). وقد بينا في المقدمة أن الشارح (الألوسي) قد مر بعدة مراحل حتى استقر على عقيدة أهل السنة، وأن كتابه هذا كان مما ألف في أوائل حياته. وقد نقَّد مثل هذه الأقوال في كُتبه المتأخرة، ك "غاية" الأماني في الرد على النبهاني وغيرها.