للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الناسخ والمنسوخ] (١)

"و إلا" أيْ: وإن لم يمكنِ الجمْعُ بينهما "فَلا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا: فَإِنْ عُرِفَ المُتَأَخِّرُ بنَحْوِ إجْمَاعٍ بِأَنْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ؛ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ عَلَى تَأَخُّرِهِ مِنَ الدَّلِيلِ، وقد مثَّل ذلك ابن السَّمْعَانِيِّ (٢) " بنسخ وجوب الزكاةِ، ووجوبِ غيرها من الحُقُوق الماليَّة، ومثَّلها الخطيبُ البغداديُّ بقَوْل أبي ذَرٍّ لحذيفةَ: "أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْ تُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ، ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ إِلا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ"، وأجُمَع المسلمون على أن طلوع الشمْسِ يُحَرِّمُ الطعام والشراب.

و كحديثِ قَتْل شارب الخمر في المرةَّ الرابعة، (٣) الذي انعَقَدَ الإجماعُ


(١) "معرفة علوم الحديث" - للحاكم (٨٥)، "مقدمة ابن الصلاح" (٤٦٦ - ٤٧٠)، "المنهل الروي" - لابن جماعة (٦٨)، "اختصار علوم الحديث" - لابن كثير (١٦٤)، "التقييد والإيضاح" _ للعراقي (٢٧٨)، "فتح المغيث" - للعراقي (٣٢٩)، "نزهة النظر" - لابن حجر (٣٨)، "فتح المغيث" - للسخاوي (٤/ ٤٥)، "تدريب الراوي" - للسيوطي (٢/ ١٨٩)، "شرح نزهة النظر" - للقاري (١٠١)، "توضيح الأفكار" - للصنعاني (٢/ ٤١٦)، توجيه النظر- للجزائري (١٧٩) "منهج ذوي النظر" - للترمسي (٢٥١)، "سح المطر" - لعبد الكريم الأثري (٥٧).
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ٩٥، ٩٦، ١٠١)، وأبو داود (٤٤٨٢) والترمذي (١٤٤٤)، وابن ماجه (٢٥٧٣)، وعبد الرزاق (١٧٠٨٧)، وابن حبان (٤٤٤٦)، والحاكم (٤/ ٣٧٢)، والطحاوي (٣/ ١٥٩)، والبيهقي (٨/ ٣١٣) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
وله شاهد من حديث أبي هريرة.
أخرجه أبو داود (٤٤٨٤)، والنسائي (٨/ ٣١٤)، وابن ماجه (٢٥٧٢)، وأحمد (٢/ ٢٩١، ٥٠٤)، والطيالسي (٢٣٣٧)، وابن الجارود (٤٤٤٧)، والطحاوي (٣/ ١٥٩)، والحاكم (٤/ ٣٧١)، والبيهقي (٨/ ٣١٣) وابن حزم في المحلى (١١/ ٣٦٧).
وقد قال الترمذي في كتاب العلل الملحق بآخر السنن له: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمولٌ به، وبه أخذ بعض أهل العلم، ما خلا حديثين؛ حديث ابن عباس: "أن النبي جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر، ولا مطر" وحديث النبي أنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". اه
سنن الترمذي (٤/ ٤٩).
وقال عقب روايته للحديث في سننه من حديث معاوية، قال: "و إنما كان هذا في أول الأمر ثم نُسخَ بعدُ، هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي قال: إن من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، قال ثم أتى النبي بعد ذلك برجلٍ قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله، وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي نحو هذا، قال: فَرُفِعَ القتل وكانت رُخصة، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك في القديم والحديث، ومما يقوى هذا ما روى عن النبي من أوجه كَثيرة أنه قال: لا يحل دمُ امرئٍ مسلم يَشهدُ أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله إلا بإحدى ثلاث: النفسُ بالنفس" والثيب الزاني، والتارك لدينه. اه السنن (٤/ ٤٩). ونقل العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي: قال المنذري: قال الإمام الشافعي والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره - وقال غيره: قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبًا ثم نُسخَ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يُقتل. اه (٤/ ٦٠٠).
ونقل المباركفوري في شفاء الغلل في شرح كتاب العلل "لا يدل هذا الحديث - أي حديث ابن إسحاق أن رجلا شرب الخمر في الرابعة ثم جاء النبي فضربه ولم يقتله - إلا على أنه لم يقتل الرجل في الرابعة، فيُجمع بين الحديثين بأن الأمر بالقتل كان من باب الإباحة والرخصة للسياسة دون إيجابه حدًا في المرتبة الرابعة فترك القتل في الحديث الأخر لا يُعارض تلك الرخصة، ومتى يمكن الجمع لم يبح لنا القول بالنسخ على أنه إذا لم يمكن الجمع عندنا لا يقدم على النسخ أيضًا ما لم يوجد نص من الشارع بنسخه، وإن عُلمَ تأخر أحد الحديثين عن الأخر وبذلك صرح الحافظ الحازمي في "الاعتبار" في مقدمة كتابه، وقول الزهري برواية الترمذي عنه معلقًا قال: وكانت رخصة معناه عندي أن القتل في الرابعة كانت رخصة في الحديث الذي أمر به، فكأن الأمر هناك أمر إباحة، ولهذا لم يقتله فيما رواه الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي بنحو حديث جابر بن عبد الله فالعجب كل العجب من أبي عيسى الترمذي أنه مع هذا الجمع الذي رواه عن الزهري بنفسه كيف أقدم على الحكم بالنسخ، وإذا لم يثبت نسخه فليت شعري ما علة هذا الحديث التي أشار في باب العلل إلى تقدم ذكرها في الكتاب، وما طريق ثبوت عدم أخذ أهل العلم به على المعنى الذي ورد من الرخصة والإباحة للسياسة في الرابعة، مع أنه لو ثبت عدم وقوع ذلك في الأمة عن أحد من العلماء لم يدل ذلك على عدم الأخذ منهم، لأن معنى الأخذ بأحاديث الرخص، روايتها كذلك مباحة، وإن لم يقع العمل بها منهم قط، كما لا يخفى على الفطن، فلم يظهر وجه صحة الحكم على هذا الحديث أيضًا بأنه ما أخذ به أحدٌ من العلماء". اه نقلا عن صاحب دراسات اللبيب. "التحفة" (١٠/ ٣٢٢ - ٣٢٣).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٧/ ١٤٨): "و قد اختلف العلماء هل يقتل الشارب بعد الرابعة أولا، فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم، واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل، وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمر، وذهب الجمهور إلى أنه لا يُقتل الشارب، وأن القتل منسوخ … ". اه
وقال السيوطي في "قوت المغتذى شرح الترمذي" - بعد أن أشار إلى عدة أحاديث -: "فهذه بضعة عشر حديثًا كلها صحيحة صريحة في قتله بالرابعة، وليس لها معارض صريح، وقول من قال بالنسخ لا يعضده دليل … ". اه نقلا عن "عون المعبود" (١٢/ ١٢٠) ثم شرع في تفنيد حجج الجمهور ومن منها حديث ابن إسحاق من خمسة وجوه فانظره فإنه نفيس.
وللعلامة المُحدث أحمد شاكر عليه رحمة الله رسالة بعنوان كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر تعرض فيها للكلام حول هذا الحديث قال في مقدمتها: "هذا تحقيق واف - فيما أرى لحديث الأمر بقتل شارب الخمر في الرابعة يتبين منه للقاري أن هذا الأمر محكم ثابت لم يُنسخ، وأنه هو العلاج الصحيح للإدمان الذي يكاد يقضي على الأمم الإسلامية، ويكاد يذهب بتشريعهم السامي وآداب الإسلام العالية النقية". اه ص ١٠ من كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر ط الأولى سنة (١٣٧٠ هـ) وقد تكلم عليه في تحقيقه للمسند برقم (٦١٩٧).

<<  <   >  >>