للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و هو: ما ظاهرُهُ السلامةُ، اطُّلِعَ فيه - بعد تفتيشٍ - على قادحٍ وعلى علَّةٍ خفيَّةٍ، وهي عبارةٌ عن أسبابٍ خفيَّةٍ غامضةٍ، قادحةٍ في صِحَّة الحديثِ، مع أنَّ الظاهر السلامةُ منها بجَمْعه شروطَ القَبُولِ، ظهرتْ للعارفِ، بمخالفة راويه لغَيْره ممَّن هو أحفَظُ وأضبَطُ، أو أكثَرُ عددًا، أو بتفرُّده بأن لم يُتَابَعْ عليه، مع انضمامِ قرينةٍ - لما ذكر تدل على أنه مُعَلٌّ.

و معرفةُ عِلَلِ الحديث: من أَجَلِّ علومِهِ، وأدقِّها، وأشرفها، وإنَّما يستضلَّعُ بذلك أهْلُ الحفْظ والفَهْم الثاقبِ، وقد تقصُرُ عبارةُ المُعِلِّ عن دعواه؛ فإنه يُدْرَكُ بالذَّوْق السليم، ولا يمكنُ إقامةُ الحُجَّة عليه؛ كالبلاغة في الكلام (١) حتى قال ابن مَهْدِيٍّ (٢):


(١) قال السخاوي "هذا النوع من أغمض الأنواع وأدقها، ولذا لم يتكلم فيه كما سلف إلا الجهابذة أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب مثل ابن المديني، وأحمد، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني، … " إلى أن قال: "و هو أمرٌ يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبد البر لا ينكر عليهم بل يشاركهم ويحذوا حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة، هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح، كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعنت، فالله تعالى لطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادًا تفرغوا له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله، والبحث عن غوامضه، وعلله، ورجاله، ومعرفة مراتبهم في القوة واللين، فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تواليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم، وجودة التصور، ومداومة الاشتغال، وملازمة التقوي والتواضع، يوجب لك إن شاء الله معرفة السنن النبوية، ولا قوة إلا بالله". اه
"فتح المغيث" (١/ ٢٧٢ - ٢٧٤).
(٢) هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان قال الذهبي: "الإمام الناقد المُجود، سيد الحفاظ … وكان إمامًا حجةً، قدوة في العلم والعمل".
سمع مالك بن أنس، وعبد العزيز الماجشون، وأيمن بن نابل وغيرهم، حدث عنه: ابن المبارك، وابن وهب - وهما من شيوخه - وعلي بن المديني، ويحيى بن سعيد، وأحمد، و إسحاق وغيرهم.
قال الشافعي: لا أعرفُ له نظيرًا في هذا الشأن، وقال علي بن المديني: لو أخذتُ فحُلفتُ بين الركن والمقام، لحَلفتُ بالله أني لم أر أحدًا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي توفى بالبصرة سنة ثمان وتسعين ومئة. انظر ترجمته في: مقدمة "الجرح والتعديل" (١/ ٤٥١) "حلية الأولياء" (٩/ ٣)، "تاريخ بغداد" (١٠/ ٢٤٠)، "سير أعلام النبلاء" (٩/ ١٩٢)، "شرح علل الترمذي" لابن رجب (١/ ١٩٦)، "تهذيب التهذيب" (٦/ ٢٧٩).

<<  <   >  >>