للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

قوله {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}

الندم والندامة هو التحسر من تغيرُّ رأي في أمر فائت (١)

وذكر في ندم قابيل أقوال منها:

قيل: لم يكن ندمه ندم توبة، بل ندم لفقده لا على قتله. (٢)

وقيل: حيث رأى إكرام الله لهابيل بأن قيض له الغراب حتى واراه ولم يكن ذلك منه ندم توبة (٣)

وقال الزمخشري: {مِنَ النَّادِمِينَ} على قتله لما تعب فيه من حمله وتحير في أمره، وتبين له من عجزه، وتلمذته للغراب، واسوداد لونه، وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين (٤).

والحق أن القرآن لم يذكر التفاصيل الدقيقة لهذه القصة، ولذا كثرت النقول عن أهل الكتاب فيها، ويكفي أن نتدبر هذه القصة في سورة المائدة وفيها غنى عما ورد مما هو مشكوك في صحته.

وأما ما ذكره الحسين من كون الندم توبة، خاص بهذه الأمة فهو تفسير معقول قال الطبري: " {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} على ما فرط منه من معصيته الله عز ذكره في قتله أخاه (٥) ".

ومثله الاحتمال الثاني الذي ذكره الحسين فهو أيضا مناسب، شريطة أن تصح تلك الروايات التي سيقت في هذا المعنى ومنها:

ما رواه الطبري عن مجاهد قال (كان يحمله على عاتقه مائة سنة لا يدري ما يصنع به، يحمله ويضعه إلى الأرض حتى رأى الغراب يدفن الغراب، فقال: {قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}

وعن الضحاك، عن ابن عباس، قال (مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنةً، حتى بعث الله جل وعزَّ الغرابين، فرآهما يبحثان، فقال: أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب، فدفن أخاه) (٦).

قال الرازي: أنه لما لم يعلم الدفن إلا من الغراب صار من النادمين على حمله على ظهره سنة " (٧).

وقال أبو حيان: " والظاهر أن ندمه كان على قتل أخيه، لما لحقه من عصيان وإسخاط أبويه وتبشيره أنه من أصحاب النار، وهذا يدل على أنه كان عاصياً لا كافراً، قيل ولم ينفعه ندمه، لأن كون الندم توبة خاص بهذه الأمة " (٨)


(١) المفردات ص ٤٨٩.
(٢) ينظر:: المحرر الوجيز ٢/ ١٨١، وتفسير القرطبي ٦/ ١٣٦ وفتح القدير ٢/ ٤١.
(٣) ينظر:: زاد المسير لابن الجوزي ٢/ ٣٣٩، تفسير القرطبي ٦/ ١٣٦.
(٤) الكشاف ١/ ٦٢٦ وينظر: تفسير الرازي ١١/ ١٦٦ وتفسير البيضاوي متن حاشية شيخ زاده ٣/ ٥١٥ ونظم الدرر ٢/ ٤٤٨ وروح المعاني ٦/ ٧٧.
(٥) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٩.
(٦) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٧/ ٢٣٨، وينظر:: تفسير ابن كثير ٢/ ٤٤٥.
(٧) تفسيره ١١/ ١٦٦، وينظر:: زاد المسير ٢/ ٣٣٩.
(٨) البحر المحيط ٣/ ٤٨١.

<<  <   >  >>