للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال تعالى {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣]

[[٩٠] قال الحسين بن الفضل: (التكرير لطرد الغفلة وتأكيد الحجة)]

الكشف والبيان للثعلبي. (١) / ٤٧٨ (٢)

[الدراسة]

فائدة التكرير توكيد التقرير بما لله تعالى من نعمة جمَّة على المخاطبين وتعريض بتوبيخهم على إشراكهم بالله أصناماً لا نعمة لها على أحد، وكلها دلائل على تفرد الإلهية. (٣)

قال ابن قتيبه: " وأما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضُه يجزئ عن بعض، كتكراره في {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وفي سورة الرحمن فقد أعلمتك أن القرآن نزل بلسان القوم، وعلى مذاهبهم، ومن مذاهبهم التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار: إرادة التخفيف والإيجاز، لأن افتتان المتكلم والخطيب في الفنون، وخروجه عن شيء أي شيء ـ أحسن من اقتصاره في المقام على فن واحد وقد يقول القائل في كلامه: والله لا أفعله، ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسْم الأطماع من أن يفعله. كما يقول: والله أفعله، بإضمار (لا) إذا أراد الاختصار " (٤).

وقال في موضع آخر: وأما تكرار: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فإنه عدَّد في هذه السورة نعماءه، وأذْكرَ عباده آلاءه ونبههم على قدرته ولطفه بخلقه، ثم أتبع ذكر كل خلَّة وصفها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، ليُفَهّمهم النعم ويُقرِّرهم بها، وهذا كقولك للرجل أجل أحسنتَ إليه دهرك وتابعت عنده الأيادي، وهو في ذلك يُنكرك ويَكفرك: ألم أبوِّئك منزلاً وأنت طريد؟ أفتنكر هذا؟ وألم أحملك وأنت راجل؟ ألم أحج بك وأنت صَرُورة (٥)؟ أفتنكر هذا؟ " (٦).

فقول الحسين (لطرد الغفلة) تنبيه على أن التكرار يجعل القارئ أو السامع ينشط للسمَّاع، وهناك بعض أشعار العرب التي فيها تكرار تُعَدُّ من مليح الشعر، ونفيس المعاني المرتبطة بالمقام، فالتكرار له ارتباط بالمقام، فلما كان هناك مقام تعداد نعم حسن تكرار هذه العبارة

قال الشريف المرتضى (٧): " وهذا كثير من كلام العرب وأشعارهم، قال مهلهل بن ربيعة (٨)

على أن ليسَ عِدْلاً من كُليبٍ ... إذا طُردَ اليتيمُ عن الجزورِ

على أن ليسَ عِدْلاً من كُليبٍ ... إذا ما ضِيم جيرانُ المُجيرِ

على أن ليسَ عِدْلاً من كُليبٍ ... إذا رجَفاَ العِضَاه من الدَّبُورِ

إلى أن قال: " وقال الحارث بن عُباد. (٩)

قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامة مِنِّي ... لَقِحتْ حَرْبُ وائل عن حِيالِ

ثم كرر قوله (قربا مربط النعامة) في أبيات كثيرة من القصيدة للمعنى الذي ذكرناه.


(١) وافقه القرطبي ١٧/ ١٤٠ والشوكاني في فتح القدير ٥/ ١٦٦ وابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٧/ ٢٣٠.
(٢) فريدة الغامدي، ج: أم القرى.
(٣) ينظر: التحرير والتنوير ٢٧/ ٢٣٠.
(٤) تأويل مشكل القرآن ص: ١٤٩/ ١٥٠.
(٥) الصَّرورة: من الرجال والنساء الذي لم يحجَّ، ولا يريد التزوج. العين ٢/ ٣٩٠
(٦) ص: ١٥١/ ١٥٢ ويراجع: تفسير الثعلبي ٢/ ٤٨٦ بنفس التحقيق السابق الذي نقلت عنه قول الحسين، وتفسير البغوي ٤/ ٢٨٥.
(٧) الشريف المرتضى: علي بن حسين بن موسى القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي، الشريف المرتضى أبو طالب، نقيب العلوية، جامع كتاب نهج البلاغة، له ديوان كبير، وفي الذخيرة وغيره، وكان من الأذكياء المتبحرين في الكلام والاعتزال، قال الذهبي: لكنه إمامي جلد نسأل الله العفو أ. هـ، توفي سنة (٤٣٦ هـ)، ينظر: السير (١٧/ ٥٨٩).
(٨) هو أبوليلى عَدي بن ربيعة من بني جشم بن بكر من بني تغلب، من أقدم الشعراء الذين وصلت إلينا أخبارهم وأشعارهم، قيل انه أول من قصَّد القصائد وقال في الغزل، وهو خال لامرئ القيس وجد عمرو بن كلثوم لأمه، وتوفي سنة (٩٢ ق هـ) (٥٣٠ م)، ينظر: الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (٤/ ٢٩١)، تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ ١/ ١١٠.
(٩) الحارث بن عُبَاد بن قيس بن ثعلبة البكري، أبو المنذر، من أهل العراق، كان من سادات العرب وحكمائها وشجعانها ومن فحول شعراء الجاهلية، توفي نحو سنة (٧٢ ق هـ) (٥٥٠ م)، ينظر: تاريخ الأدب العربي لفروخ (١/ ١٢٧).

<<  <   >  >>