للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والذي ورد في السياق لفظه هو الصلاة، وساق هذا القول العكبري ثم علَّل له وقال (وكان التحول إلى الكعبة شديداً على اليهود) (١) وهذا الكلام صحيح في ذاته ولكن جعله تعليلاً لرد الضمير على ما لم يجر له ذكر في الآية، فيه نظر والله أعلم.

وقد تجلت هنا قاعدة (٢) مشهورة تقول (إن إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى مقدر، لأن الإعادة إلى مقدر مع إمكان الإعادة إلى المذكور فيه إخراج للآية عن نظمها دون موجب)

وقد رجح كثير من العلماء بعض الأقوال على ضوء هذه القاعدة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية (٣)

ولهذا وذاك سَلِم القول الذي رد الضمير إلى مذكور، وضَعُف الذي رده إلى مقدَّر ـ والله تعالى أعلم ـ.

قال تعالى {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٧٣].

قال الضحاك: " بلسانها "

[١٦] وقال الحسين بن الفضل: (وهذا أولى الأقاويل؛ لأن المراد كان من إحياء القتيل كلامُه واللسان آلته)

الكشف والبيان للثعلبي (٤) / ٩٩٠ (٥)

[الدراسة]

يتضح مما سبق أن الحسين ـ رحمه الله ـ اطلع على الأقوال (٦) الواردة في تعيين البعض الذي ضرب به القتيل، ثم هو رجح " اللسان " وعلَّل لهذا الترجيح: بتعليل عقلي محض لا مستند له من النقل.

والحال أنَّ القاعدة في المبهمات (٧) التي لم يفصح القرآن عنها ولم يُفصِّل شيئاً منها في أي موضع، بحث لا طائل من ورائه إلا إضاعة الأوقات وفناء الأعمار، بما لا ينفع ولا يفيد، وإشغال المسلم نفسه بما لا يمكن التوصل إلى معرفته إلا بنص ثابت عن معصوم فلا مجال فيها للاجتهاد أو إعمال الرأي ثم إنه لا يمكن لمسلم أن يستريب في أن القرآن أغفل ما للعباد فيه مصلحة وعاد عليهم بالفائدة والمنفعة.


(١) التبيان في إعراب القرآن ١/ ٥٩.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ١٥/ ٨٨ وكذلك ١٥/ ٤٤٩.
(٣) ينظر: هذه القاعدة، وأقوال العلماء فيها: (قواعد الترجيح عند المفسرين) للدكتور: حسين الحربي ٢/ ٥٩٣/ ٥٩٤.
(٤) وافقه الواحدي في الوجيز في تفسيره ١/ ١١٢ والبغوي في تفسيره ١/ ٦٤.
(٥) ت: خالد العنزي، ج: أم القرى
(٦) هناك أقوال ساقها المفسرون في تعيين البعض الذي ضُرب به القتيل من البقرة: ينظر فيها: معاني القرآن للفراء ١/ ٤٨ وتفسير البغوي ١/ ٦٤ وتفسير القرطبي ١/ ٤٩٤ وتفسير ابن كثير ١/ ١١٢ وفتح القدير للشوكاني ١/ ١٣١.
(٧) صنف فيه أبو القاسم السهيلي كتابه المسمى بـ (التعريف والإعلام) وتلاه تلميذه ابن عساكر في كتابه المسمى بالتكميل والإتمام. البرهان ١/ ١٥٥ وينظر الإتقان للسيوطي ٤/ ٧٩. قال صاحب كشف الظنون: " وجمع بينهما بدر الدين ابن جماعة في كتاب سماه " التبيان " ١/ ٤٢١ - ٤٢٢. وأفرده بالتأليف السيوطي في كتابه " مفحمات الأقران في مبهمات القرآن "
والمبهمات في اللغة: أمر مبهم لا مأتى له، و أبهمت الباب أغلقته، واستبهم عليه الكلام استغلق. ينظر: الصحاح مادة (بهم).
وفي الاصطلاح: كل ما ورد في القرآن غير مسمى باسمه الذي يعرف به من إنسان أو غيره. تفسير مبهمات القرآن للبلنسي ١/ ٣٥.

<<  <   >  >>