للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: ٢٠٦]

[٣٤]

وقال الحسين بن الفضل: (قد يعبد الله غير الملائكة وإنما (١) المعنى من عند ربك جاءهم التوفيق والعصمة).

الكشف والبيان للثعلبي (٢) / ٣٢٣ (٣).

[الدراسة]

المراد في الآية هم الملائكة لا غير، حكى القرطبي الإجماع على ذلك. (٤)

ولقد خاض بعض المفسرين في تأويل الآية ومنهم الحسين بن الفضل.

قال الزجاج: "لأنهم قريبون من رحمته، وكل قريب من رحمة الله عزَّ وجلَّ فهو عنده " (٥) وندين لله تعالى بأن هذا تأويل لمعنى الآية لأنَّه على هذا التفسير كلنا قريبون من الله فالكل قريب من رحمة الله سواءً أكان في السماء أم في الأرض ما دام محسناً قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦]

وعلى هذا القول فلا خصوصية للملائكة في الآية.

ومثله من قال إنه على جهة التشريف لهم وأنهم بالمكان المكرم، فهو عبارة عن قربهم في الكرامة لا في المسافة. (٦)

نعم هم مكرمون والآية فيها تشريف لهم ولكنهم عند الله في العلو (٧) فهم يسكنون السموات العلى.

وكذلك قول الحسين فلا شك أن التوفيق والعصمة جاءتهم من عند الله لكن أن يجعل هذا هو تفسير الآية فلا يصلح، بل فيه من التأويل وليِّ عنق النص ما هو ظاهر لناشد الحق.

ومن المعلوم أن صفة استوائه على عرشه بمعنى علوه وارتفاعه على العرش بذاته على الكيفية التي تليق بجلاله وعظمته -سبحانه وتعالى - جرى فيه خلاف كبير، بين أهل السنة وخصومهم من أهل التهوك (٨) والضلال، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وكذلك عامة كلام الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة، على إثبات فوقية الله تعالى على كل شيء.

وهو سبحانه عالٍ على كل شيء، وأنه فوق العرش، والعرش فوق السماء.

قال تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠] وهذا صريح في إثبات الفوقية، وقال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] والصعود يدل على الارتفاع.


(١) الكشف والبيان بتحقيق: ابن عاشور (في) بدل (وإنما) وأثبتُّ ما في نهاية البيان لأنها أوضح في المعنى.
(٢) وافقه المعافى في نهاية البيان ص: ٥٢٣.
(٣) ت: ابن عاشور.
(٤) ينظر: تفسير القرطبي ٧/ ٣١١.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٢/ ٣٩٨.
(٦) ينظر: في هذا القول تفسير القرطبي ٧/ ١١٣ فتح القدير ٢/ ٣٤٩.
(٧) ينظر: تأويل مشكل القرآن ص ١٠٥.
(٨) المتهوك: هو الذي يقع في كل أمر. لسان العرب (هوك)

<<  <   >  >>