للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولهذا قال ابن جرير: (والصواب من القول عندنا في تأويل قوله {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} أن يقال: أمرهم الله - جل ثناؤه - أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب.

ولا دلاله في الآية، ولا في خبر تقوم به حجة على أيِّ أبعاضها التي أُمر القوم أن يضربوا القتيل به، وجائز أن يكون الذي أُمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذَّنب، وغضروف الكتف وغير ذلك، من أبعاضها ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل ولا ينفع العلمُ به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله) (١).

وقال ابن كثير: (هذا البعض أيٌّ شيء كان من أعضاء هذه البقرة، فالمعجزة حاصلة به، وخرق العادة به كائن، وقد كان معيناً في نفس الأمر فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبيَّنه الله تعالى لنا، ولكنه أبهمه ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيان فنحن نبهمه كما أبهمه الله) (٢)

وقال ابن تيمية: (الاختلاف في التفسير على نوعين .. إلى قوله. ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه، وهذا " القسم الثاني من المنقول " وهو مالا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه، عامته مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام. وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته؛ فإن الله نصب على الحق فيه دليلاً فمثال مالا يفيد ولا دليل على الصحيح منه اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح، وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك.

فهذه الأمور طريق العلم بها النقل فما كان من هذه منقولاً نقلاً صحيحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب ... فهذا لا يجوز تكذيبه ولا تصديقه إلا بحجة .. (٣)

وكذلك الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ بيَّن موقفه الحاسم من مثل هذا (٤).

قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠٢]


(١) تفسير الطبري ١/ ٤١٥/ ٤١٦
(٢) تفسير ابن كثير ١/ ١١٢.
(٣) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٤/ ٣٤٥.
(٤) ينظر: تفسير السعدي ص ٥٥/ ٥٦.

<<  <   >  >>