للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢]

[٨٥] قال الحسين بن الفضل: (اللمم النظر من غير تعمُّد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب)

الكشف والبيان للثعلبي (١) / ٣٥٩ (٢)

[الدراسة]

الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر (٣) بنص القرآن والسنة وإجماع السلف.

قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}.

وأصل اللمم والإلمام: ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون إعادة، ولا إقامة (٤). وهي الصغائر التي لا يسلم منها إلا من عصمه الله. (٥)

واختلف العلماء في معنى هذه الآية، فقال قوم: هذا استثناء متصل، واللمم من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب، ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس، وقال آخرون: هو استثناء منقطع معناه: لكن اللمم، ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه: فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذُهم الله به، وذلك أنَّ المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا يعملون معنا بالأمس؟ فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت (٦) وزيد بن أسلم.

وقال بعضهم: "هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا " وذلك قول ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي ورواية عن ابن عباس (٧).

وفي رواية ابن عباس أنَّ اللَّمم هو دون حدّ الدنيا وحدّ الآخرة (٨).

وذكر العلماء غير ذلك في معنى اللمم (٩). والجمهور على أنه استثناء من الكبائر، وهو منقطع أي لكن يقع منهم اللَّمم (١٠).

ورجَّح الطبري بأنه استثناء منقطع، ووجَّه المعنى إلى ما دون الكبائر ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا والعذاب في الآخرة، فإن ذلك معفوٌّ لهم عنه وذلك نظير قوله جل ثناؤه {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: ٣١] (١١).


(١) وافقه البغوي في تفسيره ٤/ ٢٦١ فيما ذكر، وابن الجوزي في زاد المسير ٨/ ٧٦ في قوله (اللمم النظر من غير تعمد) وابن القيم في مدارج السالكين ١/ ٣٢٤.
(٢) ت: فريدة الغامدي، ج: أم القرى.
(٣) يراجع دراسة قول الحسين بن الفضل في سورة النساء في هذا البحث.
(٤) تفسير البغوي ٤/ ٢٦٠.
(٥) ينظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٩٤.
(٦) زيد بن ثابت: ابن الضحاك الأنصاري النجاري، أبو سعيد وأبو خارجة، صحابي مشهور، من كتبة الوحي، قال مسروق: (كان من الراسخين في العلم)، توفي سنة (٤٥ هـ) وقيل بعدها، ينظر: السير (٢/ ٤٦٢)، التقريب (٢١٢٠)
(٧) ينظر: تفسير الطبري ٢٧/ ٧٦ - ٨٠ وتفسير البغوي ٤/ ٢٦٠ وفي بعض ما ذكر: تفسير القرطبي ١٧/ ٩٤ - ٩٦، وتفسير ابن كثير ٤/ ٢٥٥/ ٢٥٦.
(٨) رواه عنه ابن جرير في تفسيره ٢٧/ ٨٠.
(٩) ينظر: زاد المسير ٨/ ٧٦ وتفسير القرطبي ١٧/ ٩٦ والبحر المحيط ٨/ ١٦٢.
(١٠) مدارج السالكين ١/ ٣٢٢.
(١١) ينظر: تفسيره ٢٧/ ٨١.

<<  <   >  >>