للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخلاصة القول: إن الحالة الاجتماعية في العصرين العباسيين الأول والثاني كانت حياة ترف وإسراف وقد أدى ذلك إلى ضعف الدولة العباسية.

ولعل الحسين بن الفضل كان بعيداً عن هذه الحياة كما سيتضح هذا من دراسة شيء من حياته.

[٣ - الحالة العلمية]

بعد ما قدمته بإيجاز شديد عن الحالة السياسية والاجتماعية في العصر العباسي أتحدث عن ما له كذلك صلة بموضوع البحث وهي الحالة العلمية، فلقد أطلق المؤرخون على هذه الفترة من التاريخ الإسلاميِّ العصر الذهبي، حيث كانت نهضة علمية ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام، ولا غروَ فإن الإسلام قد أذكى جذوة المعرفة في نفوس العرب إذ دفعهم دفعاً قوياً إلى العلم والتعلم.

(وكانت المساجد ساحات العلم الكبرى، وكان لكل فرع من المعرفة حلقته أو حلقاته الخاصة، فحلقة لفقيه، وحلقة لمحدث، وحلق القصَّاص، أو المفسر، وحلقة للغوي، وحلقة لنحوي، وحلقة لمتكلم، وكانت حلق الفقهاء من أكبر الحلقات إذ كان يقصدهم طلاب الفقه ومن يريدون أن يتولوا منصب القضاء أو الحسبة، وكذلك حلقة للمتكلمين لما يجري فيها من مناظرات ومحاورات، وكان يتحلَّق كثيرون في حلقات اللغويين والنحاة، ويقال إنه كان يحضر حلقة ابن الأعرابي (١) زهاء مائة شخص (٢).

وكان الخلفاء ووزراؤهم يضفون على العلماء العطايا الجزيلة، وكان أول من سنَّ ذلك وجعله تقليداً للدولة: المهدي (٣)؛ فإنه أكثر من مكافآته للعلماء

كثرة جعلتهم يشدون إليه الرحال من كل بلدة، ويُروى أنَّ طاهر بن الحسين (٤) قائد المأمون وواليه على خراسان وصل أبا عبيد القاسم بن سلام (٥) بألف دينار ثم عاد فوصله بثلاثين ألفاً، وأجرى عليه ابنه عبد الله عشرة آلاف درهم في كل شهر. (٦)


(١) ابن الأعرابي: محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله، إمام اللغة، له تصانيف كثيرة أدبية، تاريخ القبائل، ومعاني الشعر وغيرهما، توفي بسامراء سنة (٢٣١ هـ)، ينظر: السير (١٠/ ٦٨٧)، الأعلام (٦/ ١٣١).
(٢) ينظر: إنباه الرواة على أنباء النحاة (٣/ ١٣٠).
(٣) المهدي: محمد بن المنصور عبد الله العباسي، أبو عبد الله، تولى الخلافة بعد وفاة أبيه (سنة ١٥٨ هـ)، توفي سنة (١٦٩ هـ)، ينظر: تاريخ الخلفاء (ص: ٣١٣)، الأعلام (٦/ ٢٢١).
(٤) طاهر بن الحسين: طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق الخزاعي، أبو طلحة، الأمير، مقدم الجيوش، ذو اليمينين، القائم بنصر خلافة المأمون، وكان مع فرط شجاعته، عالماً، خطيباً، مفوهاً بليغاً شاعراً، مات سنة (٢٠٧ هـ)، ينظر: السير (١٠/ ١٠٨)، الأعلام (٣/ ٢٢١).
(٥) أبو عبيد القاسم بن سلام: القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي، أبو عبيد، إمام حافظ مجتهد، ذو فنون، له مصنفات كثيرة، منها: القراءات، فضائل القرآن، وغيرهما، توفي سنة (٢٢٤ هـ)، ينظر: السير (١٠/ ٤٩٠)، الأعلام (٥/ ١٧٦).
(٦) ينظر: إنباه الرواة (٣/ ١٦).

<<  <   >  >>