للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والميزان المعروف جزء من الميزان الذي يعبر به عن العدل بين العباد، فالله تعالى قد وضع الميزان، أي: العدل بين الناس في الأقوال والأفعال ويدخل فيه الميزان المعروف والمكيال والمقادير وغيرها

ولا إشكال عندي في هذا، وقد رجح الشنقيطي كون الميزان في هذه الآية الآلة المعروفة، ودلّل عليه بالتعبير بالوضع لا الإنزال كما في قوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧] {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} ... [الحديد ٢٥] (١)

وذكر ابن الجوزي في الآية ثلاثة أقوال، وجعل ثالثها هو قول الحسين بن الفضل (٢) ولو تُتَدَبَّر الآيات لوجدت أنه تعالى (بدأ أولاً بالعلم فذكر فيه أشرف أنواع العلوم، وهو القرآن ثم ذكر ما به التعديل في الأمور وهو الميزان كقوله تعالى ... {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}) [الحديد: ٢٥]. (٣) ولعل هذا مما يؤيد القولين السابقين.

قال القرطبي: " أي وضع في الأرض العدل الذي أمر به، يقال: وضع الله الشريعة، ووضع فلان كذا أي ألقاه، وقيل: على هذا الميزان: القرآن، لأن فيه بيان ما يحتاج، وهو قول الحسين بن الفضل (٤)

ولا منافاة بين العدل والقرآن؛ لأن الثاني متضمن للأول بلا ريب، لكن كونه المقصود والمراد بالآية ففيه نظر، لأمور:

الأول: كونه غيرَ ظاهر اللفظ، فظاهر اللفظ يدل على أن الميزان الآلة التي يوزن بها.

الثاني: أن قوله بعدها {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} لا يتناسب مع كونه القرآن.

الثالث: أن تفسيره بهذا فيه انفراد؛ إذ لم يقل به غيره، والجمهور على خلافه. والله أعلم.


(١) ينظر: الأضواء ٧/ ١٨٤
(٢) ينظر: زاد المسير ٨/ ١٠٧.
(٣) ينظر: بين القوسين: تفسير الرازي ٢٩/ ٨٠ والبحر المحيط ٨/ ١٨٨.
(٤) تفسيره ٤/ ١٣٥.

<<  <   >  >>