للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعن عثمان قال (كانت براءة من آخر القرآن نزولاً) (١).

وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أنس -رضي الله عنه- (أن آخر ما أنزل الله التوبة) (٢)، ومن المعلوم أن التوبة مدنية (٣) بينما كانت وفاة أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنين (٤) ولذا استبعد الحسين أن تكون الآية نزلت في أبى طالب.

أقول: لا ريب بثبوت الحديث السابق المروي في الصَّحيحين وصُرح فيه بالسببية، وما في الصحيحين مقدم على غيره، مع جواز تعدد أسباب النزول، ثم إنَّ التوفيق بين تأخر نزول براءة مع تقدم وفاة أبى طالب ممكن.

ويفهم من التعبير بالفاء الدلالة على الترتيب في قوله (فنزلت) أنها نزلت في أبي طالب (٥)، وجعلها بعضهم للسببيَّة وسيأتي قريباً.

قال الرازي: " وقد استبعده الحسين بن الفضل؛ لأنَّ هذه السورة من آخر القرآن نزولاً، ووفاة أبى طالب كانت بمكة في أول الإسلام، وأقول هذا الاستبعاد عندي مستبعد فأيُّ بأس أن يقال إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقي يستغفر لأبي طالب من

ذلك الوقت إلى وقت نزول هذه الآية، فإنَّ التشديد مع الكفار إنما يظهر في هذه السورة فلعل المؤمنين كان يجوز لهم أن يستغفروا لآبائهم من الكافرين وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً يفعل ذلك ثم عند نزول هذه السورة منعهم الله منه فهذا غير ... مستبعد ". (٦)

قال ابن حجر: " ويحتمل أن يكون نزول هذه الآية متأخراً وإن كان سببها ... تقدم " (٧) وذكر ـ رحمه الله ـ أموراً تؤيد ذلك (٨).

قال الآلوسي: "واستبعد ذلك الحسين بن الفضل بأنَّ موت أبى طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من آواخر ما نزل بالمدينة.

قال الواحدي (٩): "وهذا الاستبعاد مستبعد فأيُّ بأس أن يقال كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يستغفر لأبي طالب من ذلك الوقت وقت نزول الآية فإنَّ التشديد ومنع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، وعليه لا يراد بقوله نزلت في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب، واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء، والأولى في الجواب عن أصل الاستبعاد أن يقال إن كون هذه السورة من أواخر ما نزل باعتبار الغالب كما تقدم، فلا ينافي نزول شيء منها في المدينة والآية على هذا دليل على أن أبا طالب مات كافراً، وهو المعروف من مذهب أهل السنة والجماعة" (١٠).


(١) رواه عنه أبو عبيد في فضائل القرآن ٢/ ٢٠٤.
(٢) جزء مما رواه ابن جرير في تفسيره عن أنس ١٠/ ٩١.
(٣) ينظر: فضائل القرآن لأبي عبيد ٢/ ٢٠٠ والكشاف ٢/ ٣١٥ والإتقان ١/ ٢٨.
(٤) ينظر: الكامل لابن الأثير ٢/ ٦٣، والبداية والنهاية ٤/ ٣١٦، السيرة النبوية لابن هشام ... ١ - ٢/ ٤١٦.
(٥) ينظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص: ١٤٥.
(٦) تفسيره ١٦/ ١٦٥.
(٧) الفتح ٨/ ٦٢٥.
(٨) ينظر: المصدر السابق.
(٩) لم أجد قوله الآتي في تفسير هذه الآية في البسيط ولا في أسباب النزول عندما ذكر ما رواه الشيخان.
(١٠) روح المعاني ١١/ ٣٣.

<<  <   >  >>