للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذكر سبحانه أنَّ الذين جاهدوا فيه أنَّه يهديهم إلى سبيل الخير والرشاد وأقسم على ذلك باللام.

وذكر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ أن المفرد المضاف يفيد العموم، كما يفيد ذلك اسم الجمع. (١)

فالسبل هنا تعم جميع سبل الخير الموصلة إلى مرضاة الله والجنة. والله أعلم.

قال الربيع في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

ليس على الأرض عبد أطاع ربه ودعا إليه ونهى عنه، إلا وأنه قد جاهد في الله (٢).

قال ابن القيم: " قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} علّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكملُ الناس هدايةً أعظمُهم جهاداً.

وأفرض الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا.

فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد، فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد ". (٣)

وهكذا تبين المراد من الآية الكريمة

ثم إنه قد مرَّ مراراً الحديث عن أسلوب التقديم والتأخير، ما دافع الحسين للقول السابق في هذه الآية الكريمة الواضحة الجلية؟

فإن كان من ناحية اللغة: فقد علق الهداية بالجهاد، فالجهاد أولاً ثم الوعد بالهداية.

وهدى التوحيد شرط المجاهدة وهي متقدمة عليها، وهذا الهدى نور يقذفه الله تعالى في القلب بعد المجاهدة يستقر فيه. (٤)

وإن كان من ناحية الإعراب، فما أيسر أن يقال: (الذين) مبتدأ، خبره القسم المحذوف، وجوابه هو (لنهدينهم). (٥)

وإن كان من ناحية النظم: فإنه من روعته وانسجامه لا يملك القارئ إلا أن يقول: تنزيلٌ من حكيم حميد.

وإن كان من ناحية المعنى فقد تقدم


(١) القواعد الحسان ص: ٢٣.
(٢) رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٣٠٨٤.
(٣) الفوائد ص: ٩١.
(٤) ينظر: في هدى التوحيد وما بعدها: نوادر الأصول في أحاديث الرسول للحكيم الترمذي ١/ ١٤٥.
(٥) ينظر في هذا الإعراب: البحر المحيط ٧/ ١٥٥.

<<  <   >  >>