للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن تيمية: "والإنسان خلق ظلوماً جهولاً، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعلمه يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله، وعدل ينافي ظلمه، فإن لم يمنَّ الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل، وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم ... " (١)

ثم إنَّ الرازي ذكر وجوهاً في معنى قوله {ظَلُومًا جَهُولًا} فقال: " رابعها، إنه كان ظلوماً جهولاً في ظنِّ الملائكة حيث قالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} ... [البقرة: ٣٠] وبيَّن علمه عندهم حيث قال {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} ... [البقرة: ٣١] " (٢) وقد تكون هذه هي العلة الخفية خلف قول الحسين ـ رحمه الله ـ، والحقيقة أن قول الحسين ـ رحمه الله ـ هذا فيه غرابة فآيات البقرة صريحات واضحات في بسط المعنى في قصة آدم ـ عليه السلام ـ واستخلافه في الأرض، وهنا في آية الأحزاب المعنى واضح في عظمة الأمانة وإشفاق السموات والأرض والجبال من حملها فحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً فكيف يتفق هذا مع تكريم الله تعالى لآدم بالعلم عندما قال للملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} إلى أن قال {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١]

ولكن قد يكون لتضلُّع الحسين في علم المعاني وتعمقه فيه، دورٌ بارزٌ في مثل هذه الأقوال، وهذه هي الحال المتوقعة من تحكيم العربية دون الرجوع إلى القواعد السليمة التي لا بد للمفسر من السير وفقها، وكذلك الإلمام الواعي بالعلوم الأخرى المتعلقة بعلم التفسير.

وغير مستبعد أن يكون السبب الذي ألجأ الحسين إلى هذا القول هو المبالغة في تنزيه آدم ـ عليه السلام ـ والله تعالى أعلم ـ.


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١٤/ ٣٨.
(٢) تفسيره ٢٥/ ٢٠٣.

<<  <   >  >>