للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال قتادة: عجب محمد - عليه الصلاة والسلام - من هذا القرآن حين أُعطيه وسخر منه أهل الضلالة (١).

وعلى قراءة الضم:

فقال الزجاج: " ومن قرأ عجبتُ فهو إخبار من الله، وقد أنكر قومٌ هذه القراءة

وقالوا: الله - عز وجل - لا يعجب. وإنكارهم هذا غلط، لأن القراءة والرواية كثيرة والعجب من الله - عز وجل - خلافُه من الآدميين: كما قال: {وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠] {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩] {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] ... ، وأصل العجب في اللغة: أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله، قال: عجبت من كذا وكذا، وكذا إذا فعل الآدميون ما ينكره الله جاز أن يقول فيه عجبتُ. والله قد علم الشيء قبل كونه، ولكن الإنكار إنما يقع والعجب الذي يلزم به الحجة عند وقوع الشيء ". (٢)

وقال الفراء: " قرأها الناس بنصب التاء ورفعها، والرفع أحبُّ إلىَّ؛ لأنها قراءة عليٍّ وابن مسعود (٣) وعبد الله بن عباس.

والعجب إن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد ألا ترى أنه قال:

{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩]، وليس السُّخْرية من الله كمعناه من العباد وكذلك قوله {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد ففي ذلك بيان لكسر قول شريح (٤)، وإن كان جائزاً، لأن المفسرين قالوا: " بل عجب يا محمد ويسخرون هم، فهذا وجه النصب " (٥).


(١) رواه عنه ابن جرير في تفسيره ٢٣/ ٥٣، وابن أبي حاتم في تفسيره ١٠/ ٣٢٠٧.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٣٠٠.
(٣) رواه عن ابن مسعود البخاري (كتاب التفسير) باب قوله (وراودته التي هي في بيتها.) ح: ٤٦٩٢ ص: ٨٠٩.
(٤) روى الفراء عن الأعمش قال: قرأتُ عند شُريح (بل عجبتُ ويسخرون) فقال: إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: إن شُريحاً شاعر يعجبُهُ علمه، وعبد الله أعلم بذلك منه. قرأها (بل عجبتُ ويسخرون) معاني القرآن ٢/ ٢٨٤، وروى عنه نحوه عبد الرازق في تفسيره ٣/ ١٤٨ وابن أبي حاتم في تفسيره ١٠/ ٣٢٠٦/ ٣٢٠٧، والحاكم وصححه ٢/ ٤٦٦، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ١٢/ ٤٩٢: " وكان القاضي شُريح ينكر قراءة من قرأ (بل عجبتُ) ويقول: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أفقه منه، فكان يقول: (بل عجبتُ) فهذا قد أنكر قراءة ثابته، وأنكر صفة دلَّ عليها الكتاب والسنة واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة. "
(٥) معاني القرآن ٢/ ٣٨٤.

<<  <   >  >>