للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن جرير: " الله ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء منهم (١)، ذكر الشوكاني أنه يجري لطفه على عباده في كل أمورهم ومن جملة ذلك الرزق الذي يعيشون في الدنيا وهو معنى قوله {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} منهم كيف يشاء فيوسع على هذا ويضيق على هذا (٢).

وعلى هذا فلطفه سبحانه يجري في كل الأمور ويدخل فيها بل ومن أعظمها هدايتهم. ومن لطفه أن أنزل عليهم كتاباً يستنيرون بأحكامه ويهتدون به ليرشدوا ويفلحوا فكل حال هي أقوم في العقائد والأخلاق والأعمال والسياسات .. فإن القرآن يهدي إليها

وما أحسن ما قاله السعدي في تفسير هذه الآية: " يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى، معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده ـ وخصوصاً المؤمنين ـ إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون.

فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسَّر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعياً لاتباعه.

ومن لطفه أن أمر المؤمنين بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض.

ومن لطفه، أن قيَّض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه ولهذا قال هنا: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} بحسب اقتضاء حكمته ولطفه (٣).

والجدير بالذكر أن الآية أعم وبكثير ممَّا فهمته من قول الحسين ـ رحمه الله ـ مع أن قوله من أولى ما يدخل في الآية من معانٍ.


(١) تفسيره ٢٥/ ٢٧ وينظر: تفسير ابن كثير ٤/ ١١٠.
(٢) فتح القدير ٤/ ٦٥٩.
(٣) تفسيره ص: ٧٥٦/ ٧٥٧.

<<  <   >  >>