للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإن قيل ما الفرق بين هذين التأويلين؟

فالجواب: أن الأول لفظ عام أُريد به الخصوص وهو أن المراد أهل السعادة من الفريقين، والثاني على عمومه، بمعنى خلقهم معَدِّين لذلك لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى (١)

وفي الآية تأويلات أخرى يطول ذكرها (٢).

قال ابن حجر في تفسير البخاري السابق: (وليس فيه حجة لأهل القدر: " فيريد المعتزلة (٣)؛ لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة فمن

وافقه عمل لما خلق له ومن خذله خالف، والمعتزلة احتجوا بالآية المذكورة على أن ارادة الله لا تتعلق به، والجواب أنه لايلزم من كون الشيء معلَّلاً بشيء أن يكون ذلك الشيء مراداً وأن لا يكون غيره مراداً .. " (٤)

وأجد أنه من المفيد جداً في هذا المقام إيراد ما ذكره ابن تيمية في الآية بعد ما نصر كون الآية على عمومها ثم قال: " ومن هنا يتبين معنى الآية، فإن قوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يشبه قوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] وقوله: {لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧) وقوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧] وقوله {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] وكذلك قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤] فهو لم يرسله إلا ليطاع، ثم قد يطاع وقد يعصى.


(١) ينظر: عمدة القارئ ١٩/ ١٩١ وفتح الباري ٨/ ٧٧٢.
(٢) ذكرها وفصل فيها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٨/ ٣٩ - ٥٧ وينظر: زاد المسير ٨/ ٤٢/ ٤٣ وأضواء البيان ٧/ ٦٧١ - ٦٧٤
(٣) المعتزلة هي إحدى الفرق التي خالفت أهل السنة والجماعة، ورأس هذه الفرقة وأول من تكلم بأصولهم هو واصل بن عطاء، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية، وسمو ا بذلك = =لاعتزالهم أقوال أهل السنة ومفارقة ما يعتقدون، وقيل غير ذلك والمعتزلة فرق شتى افترقت فيما بينها إلى عشرين فرقة، ولهم أصول خمسة جعلوها بمنزلة أركان الإيمان عند أهل السنة، وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلين والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ينظر: الفرق بين الفرق ص: ٩٣ والملل والنحل حاشية الفصل في الملل والنحل ١/ ٥٤
(٤) فتح الباري ٨/ ٧٧٢.

<<  <   >  >>