للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالمفسرون (١) على أنه من شأنه أن يحيي ويميت، ويرزق، ويعزَّ قوماً ويذلَّ قوماً، ويشفي مريضاً، ويفكَّ عانياً، ويفرج مكروباً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويغفر ذنباً إلى مالا يُحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء (٢).

قال ابن عطية: أي يظهر شأنٌ من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماته ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى " (٣).

وقال السعدي: " وهذه الشؤون التي أخبر أنه تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} هي تقاديره وتدابيره التي قدرها في الأزل وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها التي اقتضتها حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمت هذه الخليقة وأفناهم الله تعالى، وأراد تعالى أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، ويريهم من عدله وفضله وكثير إحسانه، ما به يعرفونه ويوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان إلى دار الحيوان " (٤).

فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبُه أهل الأرض والسموات، والحاصل: أن قول الحسين بن الفضل صحيح وجمعه بين الآية وما ورد من أن القلم قد جفَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة صحيح أيضاً، وهنا مسألة دقيقة أشار إليها الحسين بن الفضل وهي التي استشكلت على الأمير وطلب تخريجها من الحسين وبينها ابن عطية والسعدي فيما نقلتُ عنهما، وهي متعلقة بالقدر وكونه لا يبدو له شيء سبحانه فيتغير له المكتوب، بل الأمر أنه يمضي ما قدّره في الكتاب المسطور؛ لأن كل مقادير الأشياء مكتوبة فيه فلقد أمر الله سبحانه القلم ليكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ولا بد من وقوعه في وقته.

فهو سبحانه قدّر مقادير الخلائق، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها، ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعدما يعملونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه، فلا يكون بينهما تفاوت.

ومعنى جفَّ القلم: أي فرغت الكتابة، وفيه إشارة إلى أن الذي كُتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه، فهو كناية عن الفراغ من الكتابة؛ لأن الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم فإذا انتهت الكتابة جفت الكتابة والقلم (٥)، قال ابن حجر: " قلتُ: وفيه إشارة إلى أن كتابة ذلك انقضت من أمد بعيد ". (٦)


(١) ينظر على سبيل المثال تفسير الصنعاني ٣/ ٢٦٣/ ٢٦٤ و تفسير ابن جرير ٢٧/ ١٥٧ وتفسير ابن أبى حاتم ١٠/ ٣٣٢٥ وتفسير ابن كثير ٤/ ٢٧٣ والمستدرك للحاكم ٢/ ٥١٦ ..
(٢) ينظر: تفسير البغوي ٤/ ٢٨٧.
(٣) المحرر الوجيز ٥/ ٢٢٩.
(٤) تفسيره ص: ٨٣٠.
(٥) ينظر: الفتح ١١/ ٦٠٠.
(٦) المصدر السابق ١١/ ٦٠٠/ ٦٠١.

<<  <   >  >>