للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فغير جائز أن يكون به مهتدياً، من كان بما يهدي إليه جاهلاً " (١).

هذا وقد بسط القول في المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية بسطاً أفحم به المخالفين المتحذلقين (٢).

حيث قال: " و المقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاماً لا معنى له. ولا يجوز أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ، سواء كان من هذا تأويل القرآن لا يعلمه الراسخون، أو كان للتأويل معنيان: يعلمون أحدهما، ولا يعلمون الآخر، وإذا دار الأمر بين أن القول بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لا يعلم معنى المتشابه من القرآن وبين أن يقال: الراسخون في العلم يعلمون كان هذا الإثبات خيراً من ذلك النفي. فإن معنى الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفهمه وتدبره، وهذا مما يجب القطع به، وليس معناه قاطعاً على أن الراسخين في العلم لا يعلمون تفسير المتشابه، فإن السلف قد قال كثير منهم أنهم يعلمون تأويله، منهم مجاهد ـ مع جلالة قدره ـ والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير (٣).

ونقلوا ذلك عن ابن عباس، وأنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله ...

وقالوا: والدليل على ما قلناه إجماع السلف، فأنهم فسروا جميع القرآن، وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها.

وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن، إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأن أحداً من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لم يعلمه ..

وقد قال الحسن: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيماذا أنزلت، وماذا عني بها.

وأيضاً فإذا كانت الأمور العلمية التي أخبر الله بها في القرآن لا يعرفها ... الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كان هذا من أعظم قدح الملاحدة فيه، وكان حجة لما يقولونه من أنه كان لا يعرف الأمور العلمية، أو انه كان يعرفها ولم يبينها، بل هذا القول يقتضي أنه لم يكن يعلمها، فإنَّ مالا يعلمه إلا الله لا يعلمه النبي ولا غيره ..

وبالجملة: فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره (٣).


(١) ينظر: تفسير الطبري ١/ ١١.
(٢) ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٧/ ٣٩٠ - ٤٤٨.
(٣) محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي، المدني، توفي سنة بضع عشرة ومائة. ينظر: التقريب (٥٧٨٢).
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية ١٧/ ٣٩٠/ ٣٩٩.

<<  <   >  >>