للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونظير الملك الذي فسره الحسين ما ورد في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: ٢٠]

يقول ـ جلَّ ذكره ـ: إذا رأيت يا محمد " ثَمَّ " أي هناك في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة، والسرور ": {رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطاناً باهراً (١)

{وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي عظيماً واسعاً لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه (٢)، والكبير هنا مستعار للعظيم وهو زائد على النعيم لأن فيه رفعةً وتذليلاً للمصاعب (٣).

قال الطبري " وقيل ": إن ذلك الملك الكبير: تسليم الملائكة واستئذانهم عليه (٤) وهو قول مجاهد (٥) وسفيان الثوري (٦).

وقيل: الملك الدائم الذي لا زوال له (٧)

وقيل: هو النظر إلى الله سبحانه عز وجل (٨)

ولا يخفى على أيِّ مطَّلع أنَّ كلَّ ما ذكر داخل تحت معنى الملك.

فتجد الواحد من المنعَّمين عنده من القصور والمساكن والغرف المزخرفة مالا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة والأنهار الجارية، والرياض الناضرة، بالطيور المطربة ما يأخذ القلوب، وعنده من الزوجات اللاتي هن في غاية الحسن والإحسان الجامعات لجمال الظاهر والباطن ما يملأ القلوب سروراً، ولذةً وحبوراً، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤيدين ما به تحصل الراحة وتتم اللذة وتكتمل الغبطة.

ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤيته عز وجل، وسماع خطابه ولذة القرب منه، والابتهاج برضاه والخلود الدائم ... فالحمد لله الحق المبين الذي لا تنفد خزائنه ولا يقل خيره فكما لا نهاية لأوصافه فلا نهاية لبره وإحسانه (٩)


(١) تفسير ابن كثير ٤/ ٤٥٦/ ٤٥٧.
(٢) زاد المسير ٨/ ٤٣٩.
(٣) ينظر: التحرير والتنوير ٢٩/ ٣٦٩.
(٤) تفسير الطبري ٢٩/ ٢٦٣ وينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٥/ ٢٦١، وتفسير السمرقندي ٣/ ٥٠٦ والمحرر الوجيز ٥/ ٤١٣، وتفسير السمعاني ٦/ ١٢٠، وينظر في الثاني تفسير الرازي ٣٠/ ٢٢٢ وتفسير البغوي ٤/ ٥٢٧ وزاد المسير ٨/ ٤٣٩، وروح المعاني ٢٩/ ١٦١.
(٥) رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد ٢٩/ ٢٦٣.
(٦) رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد وسفيان ٢٩/ ٢٦٣.
(٧) ينظر: تفسير الرازي ٣٠/ ٢٢٢ وتفسير البغوي ٤/ ٥٢٧ وروح المعاني ٢٩/ ١٦١.
(٨) ينظر: البحر المحيط ٢/ ٣٩١ وروح المعاني ٢٩/ ١٦١.
(٩) ينظر: تفسير السعدي ص ٩٠٢ بتصرف.
وقد ألف ابن القيم في وصف الجنة كتاباً سماه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وقد بيَّن فيه هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} ينظر ص: ٣٨٨، وما بعدها. أسأل الله أن يسكننا وإياه الفردوس الأعلى من الجنة.

<<  <   >  >>