للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن الأمر الجدير بالذكر أن المبرد قد أفسح في كتابه مكانًا رحيبًا لأقوال الصحابة وتعاليمهم، وبخاصة النفيس الرفيع من أقوالهم مثل حديث أبي بكر في مرضه لعبد الرحمن بن عوف١، ورسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري، وهي دستور قضائي خالد ليس له مثيل في الدساتير الحديثة٢، وكتاب عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب حينما أحيط به وحوصر في منزله٣.

١٠- يكثر المبرد من القضايا اللغوية درسًا وتناولًا وشواهد في مختلف صفحات الكتاب، وهو يشرح كل نص يأتي به سواء أكان هذا النص شعرًا أم نثرًا، وهو في شرحه يتحرى الدقة والعمق والتفريع وإظهار حسن الكلام وقبيحه بحيث تبدو الصفة اللغوية للكتاب ماثلة في ذهن القارئ وخاطره من أول الكتاب إلى آخره.

١١- هذا وقد مر بنا أن المبرد خفيف الروح عذب الفكاهة سريع العارضة، ومن ثم فهو يوشح كتابه بنكة طريفة أو فكاهة مليحة بين الحين والحين، ولعله كان يعمد إلى ذلك عمدًا حتى يسري عن القارئ الذي ربما تساوره مشاعر الملل أو تستولي عليه إمارات السأم لجدية ما يقرأ من أبواب الكتاب. والمبرد هنا متشبه بالجاحظ إما عمدًا أو بغير قصد.

والمبرد يسوق طرائفه نثرًا حينًا وشعرًا حينًا آخر، وبعض هذه الطرائف يرتبط ببعض الأعلام الكبار، فمن ذلك أن أبا بكر ولى يزيد بن أبي سفيان قسمًا من أقسام الشام، فرقي المنبر فتكلم فارتج عليه، فاستأنف فارتج عليه، فقطع الخطبة، فقال: سيجعل الله بعد عسر يسرًا، وبعد عيٍّ بيانًا، وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال.

ومن الطرائف العامة التي يسوقها المبرد في مقام الأخبار أنه كان في الرقة قاصٌّ يكنى أبا عقيل يكثر التحدث عن بني إسرائيل فيظن به الكذب، فقال له يومًا الحجاج بن حنتمة: ما كان اسم بقرة بني إسرائيل؟ فأجاب القاص: حنتمة، فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري: في أي الكتب وجدت هذا؟ قال: في كتاب عمرو بن العاص، والطرف النثرية التي يرصع بها المبرد كاملة كثيرة وفيرة.

ومن الطرف الشعرية التي يأتي بمثلها المبرد بين الحين والحين ما ينسبه إلى أبي العالية:


١ المصدر "١/ ٦، ٧".
٢ المصدر "١/ ١٢-١٤".
٣ المصدر "١/ ١٧".

<<  <   >  >>