للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ستبقى بقاء الضب في الماء أو كما ... يعيش ببيداء المهامه حوتها

وكان ثعلب على صفاء روحه وتخشعه عاقلًا أدبيًا حكيمًا تجري الحكمة على لسانه ذلولًا، وتتدفق من فيض خاطره صافية، لعلها حكمة السنين وخبرة الحياة الطويلة، فقد عمر هذا العالم الجليل ما ينوف على تسعين عامًا. ولم يمت حتف أنفه وإنما صدمته فرس ألقته في هوة أودت بحياته، يقول ثعلب في مقام الحكمة١:

إذا ما شئت أن تبلو صديقًا ... فجرب وده عند الدراهم

فعند طلابها تبدو هنات ... وتعرف ثَمَّ أخلاق الأكارم

وأبو العباس ثعلب لجلال قدره كان موضع التكريم والتبجيل من الشعراء وكثيرًا ما قالوا فيه شعرًا جميلًا مديحًا في حياته ورثاء بعد مماته، ولقد مر بنا في صدر الحديث عن ثعلب أنه شيباني بالولاء، وكان معاصرًا لأبي الصقر إسماعيل بن بليل الشيباني وزير الموفق العباسي، وكان بينهما صداقة ومودة وحسن معاشرة، الأمر الذي جعل الشاعر يمدحهما قائلًا:

فيا جبلي شيبان لا زلتما لها ... حليفي فخار في الورى وتفضل

فهذا ليوم الجود والسيف والقنا ... وأنت لبسط العلم غير مبخل

عليك أبا العباس كل معول ... لأنك بعد الله خير معول

فككت حدود النحو بعد انغلاقه ... وأوضحته شرحًا وتبيان مشكل

فكم ساكن في ظل نعمتك التي ... على الدهر أبقى من ثبير ويذبل

فأصبحت للإخوان بالعلم باعثًا ... وأخصبت منه منزلًا بعد منزل


١ تاريخ بغداد "٥/ ٢٠٦".
٢ المصدر السابق "٥/ ٢١٠".

<<  <   >  >>